في الشهور الأخيرة من العام الجاري، ستحفل المطبوعات والمواقع الفنية بقوائم تتضمن أهم أفلام العقد المنصرم.
لكن يبدو أن موقع التوب تن قرر اتخاذ خطوة استباقية يكشف فيها عن أول استفتاء كبير لاختيار أفضل أفلام صدرت في الفترة من يناير 2010 حتى أبريل 2019. وقد شارك في الاستفتاء 250 متخصصا من النقاد والمبرمجين السينمائيين والأكاديميين وصناع الأفلام. حيث اختار كل منهم أفضل 5 أفلام في هذا العقد.وتصدر القائمة Mad Max: Fury Road للمخرج جورج ميلر، الذي ظهر في حوالي ربع إجمالي القوائم، ليصبح أفضل فيلم في آخر 10 سنوات. جدير بالذكر أن الفيلم الصادر عام 2015، حقق في شباك التذاكر العالمي إيرادات تجاوزت 370 مليون دولار، كما حاز على 6 جوائز أوسكار تقنية.فيما جاء في المركز الثاني فيلم The Tree of Life لتيرانس ماليك، إنتاج عام 2011، الحائز على السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي. واحتل الفيلم الحائز على جائزة أوسكار 2017، Moonlight لباري جينكيز، المركز الثالث.وتضمنت القائمة فيلمين حاصلين على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي هما A Separation لأصغر فرهادي، وRoma لألفونسو كوارون.ومن المثير للاهتمام، إدراج مسلسل Twin Peaks: The Return لديفيد لينش ضمن القائمة، حيث جاء في المركز السابع عشر.
1. Mad Max: Fury Road -George Miller
هو فيلم حركة وما بعد الكارثة أسترالي من إخراج وإنتاج جورج ميلر الذي شارك أيضاً في كتابته. الفيلم هو الرابع ضمن سلسلة ماكس المجنون وأول فيلم في السلسة منذ 30 سنة، من بطولة توم هاردي بدور ماكس روكاتانسكي، مما يجعله أيضاً أول فيلم في السلسلة من دون ميل غيبسون في الدور الرئيسي. الفيلم أيضاً من بطولة تشارليز ثيرون ونيكولاس هولت. حظي الفيلم بعرضه الأول في 7 مايو عند مسرح تي أل سي الصيني في هوليوود، وبدء عرضه حول العالم في 14 مايو 2015. تلقى الفيلم إشادة كبيرة من النقاد، الذين مدحوا التمثيل والسيناريو ومشاهد الحركة والمجازفات والإخراج
2. The Tree of Life -Terrence Malick
السؤال الذي شغل الكثيرين بعد رؤيتهم للفيلم كان: هل يتناول الفيلم العلاقة بين الاباء والأبناء في خمسينيات القرن الماضي أم يعرض لنا نشأة الكون وبداية التطور؟ وماذا عن نهاية الفيلم الغريبة؟ هل هي تصوير لـ “ما بعد الحياة” من وجهة نظر (مالك)؟
على الأغلب سيُدرك من شاهده أنّه ليس مجرد فيلمًا يعرض قصة حياة أسرة أمريكية عادية في الخمسينيات في ولاية (تكساس)، وما تعرضت له من حادث مُفجع لا يتعدي وقت ظهوره على الشاشة بضع دقائق. أمّا باقى مشاهد الفيلم فهي إمّا لأحداث عادية جدًا تحدث في حياة كل أسرة أو إستعراض لمشاهد تخص الطبيعة مصحوبة بموسيقى فخمة وعذبة بعضها ترانيم وبعضها سيمفونيات أوبرالية . لهذا لم يكن صعبًا على المُشاهد العادي أن يُدرك أنّه لابد أن يكون هناك مغزى لكل هذا، هناك رسالة يُريد الفيلم توصيلها حتمًا وإلّا سيكون الفيلم سيئًا حقًا.
3. A Separation-Asghar Farhadi
تستهويني مشاهدة الأفلام الاجتماعية الإنسانية وأتتبعها لا في السينما الأمريكية والعربية فحسب، وإنما في السينما الأوروبية والهندية والإيرانية، لذا كان من نصيبي مؤخراً مشاهدة فيلم إيراني حائز على بضع جوائز الأوسكار اسمه «انفصال»، الفيلم شديد العمق وشديد الصدق وشديد البساطة. يتناول الفيلم قصة طلاق بين زوجين من الطبقة الوسطى هما «نادر وسيمين»، وهما زوجان في متوسط العمر لهما ابنة في عمر الرابعة عشرة، وفي خضم تلك القصة تنعكس كل التغيرات التي يمر بها المجتمع الإيراني بفئاته وشرائحه الاجتماعية ما بين زوجة تطلب الطلاق لرغبتها في مغادرة البلاد، أملاً في مستقبل أفضل لابنتهما الوحيدة، وزوج يرفض ذلك لإعالته لوالده المريض بالـ«الزهايمر». تتقاطع تلك القصة مع خيوط قصة أسرة فقيرة يحمل الزوج عبء ديون عديدة وتحاول الزوجة «رضية» مساعدة زوجها بالعمل خادمة في البيوت، تقود تلك الظروف الصعبة رضية لرعاية الجد المصاب بالـ«الزهايمر»، وتتشابك الأحداث لتصل ذروتها في مشاجرة بين نادر ورضية حين يراها وقد تركت أباه المريض وحده مربوطاً، فيدفعها فتُسقط حملها، لتتصاعد الأحداث إلى دعوى ترفعها رضية ضد نادر متهمة إياه بإجهاضها. ما يلفت انتباهي ويجذب اهتمامي إلى أقصى حد.. هي التفاصيل الصغيرة، تلك التي يجب علينا الاهتمام بها والانتباه لها، محاولة نادر البر بأبيه المريض، وصراعه بين رغبته في إنجاح علاقته الزوجية واستمراره مع زوجته وابنته، وبين أبيه الذي ليس له سواه، رغبة سيمين في عالم أفضل لابنتها، رغبة رضية في مساعدة زوجها وعدم الوقوع في ما يحرمه الدين. ظهرت الأزمة الحقيقية في كل العلاقات في أن كل طرف لا يرى سوى نفسه فقط، نادر لم يحاول أن يبين مرة لسيمين أن يقدر علاقتهما وحبهما وزواجهما، وهي لم تُقدر مرة معنى أن يترك أباه المريض الأشبه بطفل، ولم يرتضي كلاهما التنازل عن كبريائه وعناده، على الرغم من الحب الذي جمع بينهما لأكثر من خمسة عشر عاماً. نادر لم يقدر رضية ولم يحاول أن يستمع لها وهي تشرح له كيف حدث أن تركت والده، وهي لم تستطع أن تقف وتشرح لزوجها الأمر، أما جيل الأبناء الصغيرتان، ابنة الأسرة المتوسطة «تيرما» ذات الأربعة عشر عاماً التي لا تجف دموعها وتوسلاتها لأبويها بالعودة، وابنة الأسرة الفقيرة «كريمة» التي لا تتعدى الخامسة وهي تهرول زائغة النظرات مع أمها، فهما تمثلان الجرح الذي لن يندمل. كان المخرج قاسياً على المشاهدين في مشهد بكاء الأب أثناء رعاية الجد، وفي نهاية الفيلم الذي احتوى على مشهدين قاسيين، الأول.. مشهد المواجهة الأخلاقية بين الأسرتين واعتراف رضية بأن نادر لم يكن المتسبب في إجهاضها، والثاني.. مشهد مواجهة الابنة تيرما للقاضي وهي تضطر للاختيار بين أبويها في اختيار من بين خيارين أحلاهما مُر، فلا تجد سوى الدموع وسيلة للرد على أنانية أبويها. الفيلم جميل وصادق ومعبر وشديد العمق، ويحتاج لعين بصيرة ترى دواخله وتتعلم من مشكلاته، حيث أراده المخرج أن يكون صرخة ينبه فيها المجتمع الإيراني ومجتمعاتنا الشرقية للتقاليد والعادات والإرث الأخلاقي والمحبة الصادقة الآخذة في الانهيار والتهاوي، وللتمسك أحياناً ببعض تقاليد جوفاء بالية تطوقنا كأسوار من حديد.
4. Inside Llewyn Davis -Joel Coen
بأضواء خافتة وعلى مسرح صغير في أحد النوادي الصغيرة بقرية “قرينويتش”، يبدأ لوين ديفيس في غناء الأغنية التقليدية “.Hang Me, Oh Hang Me” لتكن آخر أغنية له في تلك الليلة، بعد ذلك يقوم الجمهور بالتصفيق له وبحرارة لتنتقل الكامير إلى وجه لوين ديفيس لنجد أن التعابير على وجهه لا توحي بالكثير من الرضى، يقول بعدها مخاطبا الجمهور: “ربما سمعتم هذه من قبل، إذا كانت ليست جديدة البتة ولا يُمل منها أبدا فهي بالتأكيد أغنية شعبية”. بهذه الطريقة وهذا المشهد يفتتح الكوينز فيلمهم السادس عشر لنتيقن ونعرف من البداية بأن هذا الفيلم سيكون مختلفا عمّا عهدناه وعرفناه من الكوينز، فنوع الجريمة الذي طغى على معظم افلامهم السابقة لم يكن من ضمن الـ”جينر” لـ”انسايد لوين ديفيس”.
قصة الفيلم تدور حول أسبوع واحد من حياة مغني شعبي صغير في عام 1961 بينما هو يتنقل في حانات ومقاهي قرية قرينويتش بضواحي نيويورك وكيف يحاول التغلب على العقبات التي تواجهه باستمرار طوال هذا الإسبوع ومحاولته لشق طريقه إلى عالم الموسيقى وبالتحديد “Folk Music” أو “الموسيقى الشعبية”، ولكن المشكلة تقع في أن هذا النوع من الموسيقى لم يكن ذا صيت ولم يكن ذا انتشار واسع أو جمهور في تلك الفترة، وبالتالي كان هذا من اكبر العقبات التي واجهها لوين ديفيس، ولكن الشيء الذي لم يظهره الفيلم وذلك لعدم توافقه مع الفترة الزمنية هو أن الموسيقى الشعبية قد تركت بصماتها على الموسيقى الحديثة كالجاز والروك بشكل واضح ومؤثر، وبالتالي استعادت في منتصف ستينيات القرن الماضي حيويتها على يد بعض نجوم البوب الأمريكي أمثال بوب ديلان وجون بيز وودي غوتري وغيرهم.
ربما اكثر ما يميز ويعطي الفيلم نكهته الخاصة هو شخصيته الرئيسية وطريقة تقديمها بشكل يدعو للإعجاب بها وبالرغم من انها ربما لا تحمل كاريزما أو مميزات تجذب المشاهد إلا أن أسلوب تقديم النص والغموض الذي يدور حوله أحيانا أضاف الكثير لهذه الشخصية. نستطيع أن نرى ذلك في عدة مشاهد من الفيلم، ففي المشهد الذي كان جالس وهو يشاهد أداء صديق صديقته على ذلك المسرح الصغير، وما إنْ ينتهي من أغنيته حتى يبدأ في دعوة صديقيه جيم و جين ليغنوا معه أحد أجمل وأروع أغاني الفيلم وهي نسخة من الأغنية الشعبية “.Five Hundred Miles”، وبينما هم يغنون يبدأ الجمهور القليل في الغناء معهم وفي هذه اللحظات بالتحديد نرى تلك النظرات على وجه لوين والتي تحمل الكثير، المكان الذي كان يعتقد انه جزءاً منه وينتمي له أصبح الآن غريب عليه ولا يشعر بالإنتماء وفي نفس الوقت يصعب تفسير ذلك بالنسبة له ولا يجد السبب في ذلك، لكن ربما لو تعمقنا قليلا في شخصيته والحالة التي يمر بها الآن فسوف نجد بأنه لا يزال في حالة حزن وحداد على صديقه ورفيقه السابق في الغناء “مايك” والذي انتحر بالقفز من جسر، تلك الخسارة أثرت بشكل كبير في لوين، تلك الخسارة لم تفقده صديق فحسب بل أفقدته أيضا رفيق في الغناء والآن صار كما يسمى في عالم الموسيقى “a solo act” أي يغني ويعزف لوحده، مغني لوحده ومع صندوق تسجيلات غير مباعة، وبالرغم من ذلك كله، لوين لا يزال يشعر بأن لديه الكثير ليثبته ويقدمه. يظهر هذا الشيء بوضوح عندما يزور أخته ويدور بينهما عدة حوارات تبين لنا منها عدة خصال وأشياء لم نكن نعرفها من قبل عن لوين، ولكن الأهم من ذلك هو عندما أخبرنا رفضه التام بالرجوع إلى مهماته وأداءاته السابقة في سفن الرحلات التجارية البحرية، ولكن هذا الشيء لم يمنعه من ملاحقة فرصة متاحة عندما قام بتلك الرحلة المنحوسة إلى تشيكاغو. يبدأ أحد أجمل وأروع مشاهد الفيلم عندما يصل إلى أحد المسارح الصغيرة في تشيكاغو ويقابل المنتج للموسيقى الشعبية فيه، يبدأ لوين في هذا المشهد في تقديم نفسه بطريقه مليئة بالأسىء ويتضح بذلك عندما يخبره بأنه كان عابرا لـ تشيكاغو وأنه فقط مهتم بالغناء هنا ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، يأتي بعد ذلك الرد من “بد غروسمان” بعبارة “.’Play me something from ‘Inside Llewyn Davis” ويتضح ذلك قصده بالمعنين للعبارة المعنى المجازي والمعنى الحرفي له، هنا بالتحديد يبدأ المشهد الأجمل عندما يقوم لوين بالبدأ في الغناء وينفذ بالتحديد ما طلبه غروسمان، فالمعنى الحرفي للعبارة ظهر جليّاً وبكل وضوح في أداء لوين لتلك الأغنية وكأنه ينقل كل مشاعره تجاه نفسه ومن حوله وتجاه العالم كله من خلال تلك الأغنية، يتضح أثر هذا الأداء من لوين على تعابير وجه غروسمان بكل وضوح.
وعلى الرغم من أن هذا الفيلم كان غريباً من وعلى الكوينز بجميع ما قدمه وحمله إلا أنهما لم يخلعا سترتهما بالكامل ويتضح ذلك في نهاية الفيلم المليئة بالغموض، فإن كان هناك شيئاً عرفناه وتعودناه منهما فهو بكل تأكيد النهايات الغير تقليدية ونستطيع الاستشهاد على ذلك بنهايات بعض أفلامهم السابقة ‘The Man Who Wasn’t There’ و ‘Burn After Reading’ و ‘Barton Fink’ وربما الأكثر شهرة ‘No Country for Old Men’. كل تلك النهايات جعلت الجمهور يتناقشون ويتناظرون بينهما على ما الذي حدث وما المقصد وكيف كان الخ، “انسايد لوين ديفيس” لم يختلف كثيرا، فالنهاية لم تكن بـ “تويست” أو شيء من هذا القبيل ولكنها كانت مفاجئة على نحو محيّر او مشوش تجعل خلفها عدة تفسيرات ممكنة. قرأت عدة تفسيرات ممكنة للنهاية ومعقولة في نفس الوقت وقرأت أيضا عدة تفسيرات مبالغ فيها ومضحكة أحيانا، من ضمن تلك التفسيرات هي أن لوين يعيش في حلقة مفرغة وأنه يعيش هذا الاسبوع مراراً وتكراراً وأنه خلال ذلك يتقدم ويتعلم بشكل بطيء ويتضح ذلك عندما لم يدع القطة تخرج من الشقة في المشهد الأخير بعكس ذلك في المشاهد الأولى من الفيلم وبالتالي يكون هذا التفسير أقرب إلى مفهوم وهو أنه عرض أو تعبير عن كيفية خوض غمار الحياة بالنسبة للوين ويكون أيضا أبعد عن مفهوم الخيال العلمي. وفي الحقيقة أجد أن هذا التفسير بعيد جدا وصعب تقبله أو حتى توقعه من الكوينز. أحد التفسيرات المعقولة بالنسبة لي هو ذلك القول الذي يقول بأن ليس هناك غموض في النهاية وأن مشهد النهاية لم يكن سوى إعادة لمشهد البداية بالكامل مع زيادة مشاهد قليلة وبالتالي يصبح مشهد البداية ليس سوى “فلاش باك”. ولكن المشكلة في هذا القول هي لقطة واحدة ظهرت في مشهد النهاية لم تكن متطابقة مع مشهد البداية وهذه اللقطة هي عندما يقوم لوين بمنع القطة من الخروج من الشقة بعكس مشهد البداية والذي لم يستطع فيه لوين بجعل القطة داخل الشقة، وبالتالي من الممكن القول بأن “نسخة” مشهد البداية كان تعبير مجازي عن حالة ووضع لوين، فهو حاليا يمر بتقلبات عدة، هو الآن فنان يعاني، لا يتنازل عن معنى وما تمثله الموسيقى بالنسبة له، وإن لم يتمكن من تقديم الموسيقى كما يحلوا له وعلى طريقته وإلا فلن يقدمها البتة. ولكن “نسخة” مشهد النهاية حيث لم يدع القطة تخرج من الشقة نجده يفرغ ما في قلبه ويغني أغنيته الأخيرة في تلك الليلة بمشاعر وأحاسيس دافئة وعميقة، وفي هذه المرة أيضا نجد بأن صديقته جين تنصحه بالذهاب والغناء في ذلك العرض، وبالتالي نجد في نسخة مشهد النهاية أن معظم الأمور تتجه لمصلحة لوين وأنه في هذه المرة هناك بصيص أمل لإنهاء تلك المعاناة، وبالرغم من أن كلا المشهدين متطابقين (باستثناء لقطة القطة) إلا أن طريقة التقديم في المشهد الأخير جعلت هناك اختلاف بسيط يجعله وكأنه مليء بالأمل والإيجابية بعكس المشهد الأول والذي تظهر طريقة التقديم فيه مليئة بالسوداوية والسلبية، وهنا بالضبط تظهر عبقرية نص الكوينز في هذا الفيلم برأيي.
إن كان هناك ما يضيف الكثير لشخصية لوين ديفيس ويصل تأثيرها بهذا الشكل على المشاهدين وهو ما حصل بكل تأكيد فهو بدون شك سيذهب الفضل الأكبر إلى الأداء المميز من الشاب أوسكار إسحاق، في هذا الفيلم لم يكن ممثل فحسب بل كان ممثل ومغني أيضا، وتميزه لم يقتصر فقط على تمثيله أيضا بل على غنائه واستطعنا أن نرى ذلك في عدة مشاهد فمشهده مع “بد غروسمان” وغنائه كان حقيقة مشهدا بأداء مميز يعجز عن الكثير نظرا لأنه يقوم بمهمتين وهي التمثيل والغناء أيضا. وإذا رأينا أيضا سينماتوغرافر مبدع بحجم الفرنسي برونو ديلبونيل والمرشح لأربع جوائز أوسكار في قائمة العاملين في الفيلم فبالتأكيد سنطمئن من ناحية جمالية الصورة وسحرها، فقد استطاع أن يصبغ الشاشة بألوان متناسقة وجذابة وخصوصا مشاهد رحلة تشيكاغو وتلك المشاهد التي تكون في الشارع أو في القطار والتركيز على كثير من الأجزاء منها مع عدم التهاون في مواكبة فترة الستينات وإحياء جميع تفاصيلها.
5. Moonlight -Barry Jenkins
فيلم Moonlight أحد الأفلام التي صدرت في نهاية شهر نوفمبر 2016، إلا أنه كان ضمن الأعمال الهامة أو كما يقول المثل “ختامها مسك”، وإن كنت من المشاهدين الذين يفضلون الأعمال الدرامية فهذا الفيلم هو ملاذك.
الحقيقة أنني لم اهتم كثيرًا بمشاهدة العمل، بل الحقيقة لم ألحظ صدوره، إلا أنني رأيت عدد من المشاهدين الذين يتحدثون عنه، ولكن للأسف معظمهم لم يكن عربيًا.
وبالفعل أسرعت لموقع التقييم الشهير “IMDb” لأجد أنه حصل على 8.4 وهو تقييم كبير نسبيًا، وبعدها فوجئت بفوزه بأحد جوائز “الجولدن جلوب” كأفضل فيلم درامي، لذلك قررت أن أتحدث عنه في المقال التالي (لا تقلق لن أتحدث عن قصة الفيلم بالتفصيل لتشاهده).
القصة
دائمًا أفضل الحديث عن عناصر تكوين الفيلم فرادى، وأبدأ من حيث الأفضل في الفيلم – من وجهة نظري بالتأكيد- وهذا العمل القصة هي البطل بالتأكيد، والتي ترصد مراحل نشأة شاب، مختلف نسبيًا عن أقرانه، ويمر بظروف عصيبة.
وعبقرية القصة تكمن في الرسائل الخفية، وفي البعد الدرامي ورسم الشخصية لأبطال العمل، هي قصة واقعية تشعر أنك قابلتها أو شاهدتها من قبل، ولكن تميزها في الأمل الذي بثه الفيلم، في القدرة على التحول من شخص منطوي ويخشى الجميع، لمتحكم في حياته، وإن كان فساد الذي واجهة في نشأته أثر عليه وجعل منه “شاذ”.
ولكن مازلت أرى أن التسلسل، وتتابع الأحداث كان سلس، وبه مرونة وتدرج منضبط، ولكن هناك ما يعاب على القصة أنها بلا هدف يقدمه للمشاهد في النهاية، أي أنه بلا فكرة مجردة.
فصول الفيلم
الفيلم مقسم إلى ثلاثة فصول، كل فصل منها يتضمن مرحلة من مراحل عمر شارون البطل أسمر اللون:
الطفولة: تبدأ الأحداث بالطفل شارون الذي يطارده بعد الصبية من مدرسته، فيدخل بناية قديمة، ويجده هناك رجل يعمل في تجارة المخدرات، يتعاطف معه ومع تنمر الأطفال به، وعندما يرفض الصغير الإفصاح عن موقع منزله يقرر الاحتفاظ به لديه وتراعاه حبيبته، وهناك يتعرف الطفل على معنى الأسرة لأول مرة، وعندما يعيده لبيته اليوم التالي نرى الجانب الآخر في حياة شارون، فهو ليس فقط طفل مضطهد من زملائه، لكن كذلك من والدته مدمنة المخدرات.
المراهقة: ننتقل بعد ذلك للمرحلة التالية، حيث يتوحش إدمان الأم، بينما يظهر اختلاف الشاب الصغير أكثر فأكثر، حتى يأتي الحدث الذي يغير حياته، حيث تتحدد هويته الجنسية، ومصيره في يومين متتالين.
الشباب: تقفز الأحداث بعد ذلك حوالي عشرة سنوات، حيث نتعرف على شارون الذي أصبح رجلًا وأصبح مظهره مختلفًا وشخصيته وعمله، ونعرف أن في المرحلة السابقة نقطة التحويل الصغيرة أدت إلى تغييرات مصيرية.
الهدف الخفي
لعل طبيعة المجتمع الأمريكي، والذي يختلف جذريًا عن مجتمعاتنا العربية ظهرًا جليًا في التكوين البنائي للأحداث الدرامية للعمل، فكما لو كان العمل يُدافع عن حرية المثلية الجنسية في المجتمع، وكانت الجملة الأبرز التي قيلت “أن كنت شاذ فلا تجعل أحد يقول أنك لوطيًا، ولا تشعر بالسوء تجاه ذلك”، لذلك اعتبرت أن العمل بلا فكرة مجردة، أو أنها فكرة نابعة من باطن شخص ينحاز للشواذ جنسيًا.
الإخراج
لم يكن الإخراج عبقريًا، قدر أنه جيد إلى حد كبير، استطاع ألا يقع في فخ الرتم والروتين، واختار أماكن للتصوير تتناسب مع الأحداث، وأيضًا حين أراد المخرج أن يبرز أفعال يرفضها المجتمع، أو يواجها جعلها في الليل، ليبرز أنها غير مسموح بها في وضح النهار.
أما أوقات الصباح فهي فقط للكلام، والعراك، والبؤس، ذلك كان ضمن الفكرة الإخراجية للمخرج ” Barry Jenkins” والذي يُعد هو أيضًا كاتب العمل، ويتصادف أنه أسود اللون، ليعتبر بذلك وبشكل واضح أن العمل يتحدث عنه.
المخرج الشاب ” Barry Jenkins” هو من المخرجين الواعدين، لم يقدم أي أعمال سينمائية طويلة عدا فيلمنا هذا، ومعظم أعماله اندرجت تحت مسمى الأعمال “القصيرة”، لذلك لم يشاهد الجمهور إبداع إخراجي، قدر التوازن فقط، دون فلسفة كما يقال.
الأبطال
العمل بشكل عام أعتمد على أن القصة هي البطل بالتأكيد، ولكن هناك أدوار لأبطال العمل جذبتني وخصوصًا الشاب الصغير “ليتل” ولكن في مرحلة صغره والذي قدمها الممثل الصغير ” Alex R. Hibbert ” كان جيد إلى درجة كبيرة، وقدمت لمحات تمثيلية ممتازة.
وأما دور “خوان” والذي قدمه Mahershala Ali فهو ليس من الممثلين المعروفين بشكل كبير، ولكنه شارك في العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية، فكان يمتلك خبرات جعلت من دوره المحرك الرئيسي للأحداث، فلولا دوره وأدائه، لسقط العمل بشكل كبير.
الجوائز:
ترشح الفيلم للعديد من الجوائز وفاز أيضًا بالكثير، حيث حصل على ثلاثة جوائز أوسكار، هي أفضل فيلم وأفضل ممثل في دور مساعد ماهرشالا علي، وأفضل نص مقتبس، وترشح كذلك لجوائز أوسكار أفضل ممثلة في دور مساعد “ناعومي هاريس” وأفضل تصوير وأفضل مونتاج، وأفضل إخراج وأفضل موسيقى تصويرية.
وقد جاء فوزه بأفضل فيلم بعد الحادثة الشهيرة، حيث فاز فيلم لالا لاند في البداية بأوسكار أفضل فيلم، قبل أن يتم التعديل وتذهب الجائزة لمون لايت في حادثة هي الأولى من نوعها بجوائز الأوسكار.
في النهاية.. قد اختلف مع قصة العمل التي أرائها تُدافع عن أفكار تدور في رأس الكاتب والمخرج، إلا أن العمل جذبني دراميًا من حيث التسلسل الدرامي للأحداث وسردها.
6. Boyhood -Richard Linklater
لا عجب عن اهتمامك الآن بهذه المقالة بعد قراءة الرقم 12 في العنوان الرئيسي، فهذا الرقم لم يتواجد عن طريق الخطأ أي تحديداً هناك فيلم درامي تم صنعه خلال 12 عاماً يدعى Boyhood، تم عرضه في هذا العام كأحد الأعمال المميزة والاستثنائية لعالم 2014 السينمائي، فمن أين انطلقت هذه الفكرة وإلى أين وصلت؟
في شهر مايو عام 2002، أعلن المخرج والكاتب ريتشارد لينكليتير إنه سيبدأ تصوير فيلم “دون عنوان” في مدينته هيوستن، وخطط لجمع طاقم من الممثلين للتصوير بشكل سنوي على مرور 12 عاماً بسبب رغبة المخرج في طرح قصة ارتباط طفل بوالديه ابتداءً من سن الخامسة وصولاً إلى الـ 18 أي عند دخوله إلى الجامعة.
المعضلة الكبرى أتت في الأطفال والتغيّر الكبير الذي يمكن أن يحصل عليهم خلال 12 سنة، فمن المستحيل تقريباً تغطية هذه الفترة الزمنية على أرض الواقع دون الأستعانة بعدد كبير جداً من الممثلين، والذي بدوره قد يكون عملاً صعباً جداً أو شبه مستحيل!
التزم موزعو الفيلم بميزانية قدرها (200 ألف دولار) سنوياً أي (2.4 مليون دولار) خلال 12 عاماً تم تصوير الفيلم خلالها. وصولاً إلى منتصف عام 2013 كان يطلق على هذا المشروع اسم 12 Years، لكن وجدت بعض الشكوك والمخاوف حول خلط هذا الفيلم مع 12 Years a Slave الذي تم إصداره في العام الفائت.
إذاً وقعت التسمية في النهاية على Boyhood وأظن إنها التسمية المناسبة نظراً إلى فكرة الفيلم التي تتابع مسيرة طفل ونموه حتى بلوغه لسن الرشد شاملةً الكثير من الدراما والأحداث الواقعية التي قد تحصل أثناء مرور السنين الطويلة.
7. The Social Network -David Fincher
"أنت لست وغداً يا مارك ، ولكنك تحاول جاهداً لتكون كذلك !" بهذه العبارة انتهى فيلم الشبكة الاجتماعية أو (the social network) من بطولة جيسي آسينبرج في دور مارك زوكربرج وأندرو جارفيلد في دور إدواردو سافيرين و جاستن تيمبرليك في دور شون باركر. الفيلم إنتاج عام 2010 عن طريق كولومبيا بيكتشرز و ريلاتيفيتي ميدا وهو عن قصة حقيقية ، قصة إنشاء أكبر موقع اجتماعي في التاريخ حتى وقتنا الحالي. الفيلم مليء بالتفاصيل الصغيرة والمهمة التي تهم أي متابع للأفلام الجيدة أو أي مهتم بأفلام قصص النجاح على المستوى المادي والتي قد تنتهي بالفشل الاجتماعي كما سنرى. الفيلم سريع الايقاع للغاية ومليئ بالكلام السريع من الشخصية الرئيسية مارك زوكربرج. يدور الفيلم عن طريق تواجد مارك زوكربرج وصديقه إدواردو سافيرين و الأخوين وينكلفوس في قاعة محكمة في قضية ثلاثية تدور أحداثها طوال الفيلم في مشاهد قصيرة وفلاش باك للاحداث في تناغم رائع وحرفية شديدة من المخرج.
مارك وصديقته إيريكا أولبرايت
يبدأ الفيلم بمشهد لمارك وصديقته إيريكا أولبرايت حيث يبدو التوتر واضحا في المشهد و يحاول مارك التحدث بمنقية ولكن طريقة كلامه السريعة و المنطقية لأبعد الحدود تتسبب في أن يخرج كلامه جارحا لصديقته بانتقاده لذكائها و ابدائه بعض الملاحظات الغير منطقية والتي تنم عن طريقة تفكيره الغير عاطفية والتي تتخذ منحنى منطق مبرمج الكمبيوتر عندما يتعامل مع الآلة. تسأل إيريكا مارك عن أسهل طريقة للدخول في نادي فينيكس في جامعة هارفارد التي يدرس بها كلاهما ولكن السؤال يستفز مارك حيث يعترض على كلمة أسهل ويبدأ جدل شديد بينهما حول الكلمة الأفضل بدلا عن الأسهل. تصاب إيريكا بالتوتر ويستمر مارك في الهجوم ثم يعود لطلب الطعام ولكن إيريكا قد قررت الانفصال عنه للأبد. يبدو أن مارك لا يعلم لماذا أصابها الغضب ويبدو متعجبا وتقوم إيريكا وتترك المكان.
أحداث سريعة وأداء استثنائي من جيسي آيسنبرج
يستمر جيسي آيسنبرج في أداءه الاستثنائي بمحاكاة شخصية مارك بكلامه السريع وكأنه آلة كمبيوتر في هيئة إنسان ويعود للمنزل غاضبا بدون أن تبدو عليه أي علامات للغضب. يدخل على مدونته ويبدأ في سب صديقته السابقة إيريكا عبر مدونته ويبدو كأنه يشعر بالرضا! في غرفة مارك في الجامعة يقابل رفيقه في الغرفة والذي يبدو منتشيا ويعرض على مارك فكرة إنشاء موقع لمقارنة الفتيات بحيوانات المزرعة ولكن مارك يقرر فكرة أكثر شرا، سينشئ الموقع ولكنه سيقارن الفتيات ببعضهم البعض ليثبت لصديقته القديمة أنها لا تساوي الكثير عند مقارنتها بالفتيات الأخريات. يقرر مارك اختراق سجل جامعة هارفارد للحصول على صور الطالبات المدعو ب (فيسبوك) وينتهي في وقت قليل من نشر الموقع الذي يبدأ في العمل في الساعة الثانية صباحا. يعجب الفتيان كثيرا بفكرة مقارنة الفتيات ويبدئون في ارسال رابط الموقع لبعضهم البعض وتحدث فوضى عارفة في أنحاء الجامعة. يبدأ جميع الشباب في الحديث عن مارك وتكرهه جميع الفتيات ولكنه أصبح مشهورا الآن. تقرر الجامعة إيقاف مارك عن الدراسة مدة 6 شهور عقابا له ولكنه يبدو سعيدا بالشهرة التي جناها.
هارفارد كونيكشن
الأخوان وينكلفوس
بعد انتشار صيت مارك يبدأ الأخوان وينكلفوس في البحث عنه لانشاء موقع خاص لهما لا يتم التسجيل عليه إلا من خلال بريد جامعة هارفارد الالكتروني ويقرران تسميته هارفارد كونيكشن. يعجب مارك بالفكرة ولكنه بعد فترة يقرر الاستحواذ عليها لنفسه ويقرر انشاء موقعه الخاص ذا فيسبوك بمشاركة صديقه ادواردو سافيرين حيث يحصل منه على التمويل المناسب للبدء في عمل الموقع. يعلم الأخوان وينكلفوس بنوايا مارك الشريرة وتجاهله للرد عليها رغم العديد من رسائل البريد الالكتروني التي أرسلاها إليه، يحاولان بشتى الطرق مطاردته حتى يصل الأمر بينها للقضاء في النهاية.
مارك زوكربرج و ادواردو سافيرين
يقرر مارك تجاهل الأخوين ويخفي الأمر على صديقه إدواردو سافيرين الذي يصاب بالذعر عند قراءته للانذار القضائي الذي تلقاه مارك ولكن مارك يطلب المزيد من المال من إدواردو. يبدأ الموقع بالعمل ويعجب به شباب هارفارد كثيرا ويبدأ في الانتشار ثم يقرر مارك لاحقا الانتشار في ثلاثة جامعات أخرى في الولايات المتحدة حيث تستمر فكرته في الانتشار ويعجب شباب الجامعة بالموقع. في هذه الأثناء يضيف مارك عدة خصائص للموقع مثل خاصية الحالة الاجتماعية و خاصية الحائط -ذا وول - حيث يمكنك الآن الكتابة على حائط صديقك في الحساب الخاص به وفي هذه الأثناء يحاول ادواردو سافيرين الحصول على بعض الجهات المعلنة على الموقع رغم اعتراض مارك على بدء الاعلانات في هذا الوقت ويفضل ادواردو في جولاته العديدة. في هذا الوقت يبدأ الصراع بين مارك زوكربرج وادواردو وخاصة بعد دخول شون باركر في الأحداث.
جاستن تيمبرليك في شخصية شون باركر على اليمين وإلى اليسار شون باركر الحقيقي
شون باركر لمن لا يعلم هو مؤسس موقع نابستر في السابق والمطارد من قبل العديد من شركات الموسيقى مما أدى إلى الحكم عليه بغرامة تقدر بمليار دولار وإشهاره إفلاسه. لا يعجب إدواردو بشخصية شون باركر حيث يرى أنه يتحدث كثيرا عن إنجازات وهمية و أنه مصاب بالبارانويا ولكن على النقيض يعجب به مارك ويقرر التعامل معه لتسويق الموقع دوليا. يتخلص مارك من ادواردو عن طريق ارساله في جولات تسويقية في نيويورك ويبدأ في العمل في كاليفورنيا عن طريق استئجار منزل وبعض المبرمجين للعمل على انشاء الموقع عن طريق الأموال التي منحها له ادواردو في حسابه. في هذه اللحظة يظهر شون باركر على الساحة مجددا ويستطيع هذه المرة باقناع مارك زوكربرج بمشاركته وأن يفيده بخبرته في المواقع الدولية والتخلص من صديقه ادواردو تماما ثم يضمر مارك الشر لادواردو ولكنه يتظاهر بعكس ذلك في الحقيقة. يحس ادواردو بالغدر فيقرر ايقاف الحساب الذي منحه لمارك ويستشيط مارك غضبا في هذه اللحظة ويخبره إدواردو يائسا أنه أراد أن يحصل على اهتمامه وأنه لا يريد شون باركر في الشركة.
ثمن المال الصداقة ! نهاية الأحداث والحكم التاريخي
يستمر فيسبوك في النمو ويستطيع شون باركر الحصول على تمويل من عدة جهات استثمارية بقيمة ملايين الدولارات وينشئ مع مارك المبنى الجديد في كاليفورنيا. يدعو مارك ادواردو لتوقيع بعض الأوراق في مقر الشركة الجديد ويدعي أنها لتنظم العمل في الشركة الجديدة و لكن محامي الشركة يقومون بخداع ادواردو عن طريق تثبيت قيمة الأسهم التي تحصل عليها مع زيادة أسهم المستشثمرين الآخرين تدريجيا ويبتلع ادواردو الطعم بسذاكة لثقته في محامي الشركة ومارك. يقوم مارك بدعوة ادواردو لحفلة المليون مستخدم لفيسبوك حيث يطل المحامي من شون القيام بالتوقيع على بعض الأوراق الأخرى وحينها يكتشف ادواردو الخديعة التي تعرض لها وبأن قيمة أسهمه في الشركة انخفضت من 30% إلى 0.03% ويصيبه الغضب ويبدأ في الصراخ بوجه مارك الذي يبدو غير مبالي على الاطلاق ويبدأ شون باركر في استفزاز ادواردو فيقرر ادواردو رفع دعوى قضائية ضد مارك. ينتهي الفيلم بحجز الحكم للمراجعة وفي هذه الأثناء تحاول المحامية الشابة مارلن ديلبي التحدث لمارك وتعرض عليه أن يأكل بعض السلطة ولكنه يبدو مهتما بالفيسبوك عن طريق اللابتوب الخاص به. تسأله ماذا يفعل فيقول أتابع أداء فيسبوك في البوسنة. تتعجب مارلن كثيرا وتقول: لا يمتلكون الطرق هناك ولكن يمتلكون فيسبوك. ثم قبل أن تغادر تقول لمارك: أن لست وغدا يا مارك ولكنك تحاول جاهدا أن تكون كذلك!. ينتهي الفيلم بمشهد لمارك وهو يبعث بطلب صداقة لصديقته القيدمة ايريكا أولبرايت على فيسبوك ويقوم بتحديث الصفحة كل خمس ثواني في انتظار الرد وينتهي الفيلم ولا نعرف الاجابة. يتحصل مارك على حكم قضائي لصالح الأخوين وينكلفوس بتعويض بقيمة 50 مليون دولار وتعويض آخر غير معلوم لادواردو سافيرين بقيمة قدرت ب500 مليون دولار في هذا الحين. يطرح الفيلم عدة قضايا جدلية للنقاش مثل خسارة الصداقة والحب مقابل المال وهل يستطيع المال استرجاع الحب؟. خسر مارك الكثير في حياته الاجتماعية وربح فيسبوك ولكن هل يستطيع فيسبوك الآن أن يعيد ما خسر. تبدو الاجابة حائرة في عالم المال والفضاء السيبراني ولا يبدو أن مارك استطاع استرجاع أي منهما.
8. The Master -Paul Thomas Anderson
بول توماس اندرسون يفتح نافذة من مصرعيها للعديد من الاسئلة أمام المشاهد , ويعاود يغلقها بشكل مثير للجدل !! ,, (السيد) من الاعمال التي أخفقت بشكل جزئي من عمل حلقة للأتصال بين المشاهد والعمل , فهو عمل يحمل أفق واسعة وافكار ممتازة , ولكنه افتقد للموضوعية وتماهى بالغوغائية .
أي عمل سينمائي يتخذ منحنى احادي التفكير فهو عمل لا يستحق البحث فيه والولوج إلى ابرز ما قُدم .. ومن هنا تأتي الأهمية مما خلقه المخرج بول توماس اندرسون في اخر اعماله (السيد) فنحن في حالة فريدة من نوعها ,, تعطي مساحة في البحث عن العلاقة ما بين الدين والأخلاق والفرد ؟؟
تلك العلاقة التي نحاول التواصل معها دون أي اعتبارات أو وضوح حقيقي لملابساتها.. ومن هنا اجزم أن صعوبة التواصل مابين العمل والُمشاهد تعكس بشكل آو أخر انعدام الاتصال بين الفرد والمجتمع .. بول توماس اندرسون أستحضر هنا احد الديانات المختلقة من قبل المؤلف رون هوبارد _سينتولوجيا_ وهذه الديانة التي خرجت للعلانية في بداية الخمسينيات والتي تعبر احد الفلسفات العلمانية والتي تتخذ من الفرد عبد لطقوسها ألا منطقية والتي تتخذ طابع علمي ولا عقلاني لتنبؤ بنفس البشرية وتحديد فطرته الغريزية من منطلق أيجاد حالة أكثر روحانية للطابع الإنساني من خلال تهميش العقل والجسد وذلك لرفع القيمة الأخلاقية .. حقيقة لا تهمنِ تلك المفاهيم والتي كان لابد لي من وضعها في بداية مراجعاتي للوقوف على عمل _السيد_ من اتجاهين , احدهما من نافذة ضيقة التفكير وهو التفسير الأكثر رواجاً لهذا العمل وهو إننا ضمن عمل ينتقد تلك الديانة ويسخر منها ويظهر مدى ازدواجية شخصية المختلق لها ,, ومن الاتجاه الأخر وهذا ما اعتبره قراءتي الشخصية وهي أن العمل يبحث في العديد من الأبواب والاستفسارات الفلسفية حول القيود التي ترصدها كل من العقائد والأخلاقيات والمسؤوليات والتي يختنق في ثالوث جحيمي .. دعوني من الحديث عن الأفكار ولننطلق للحديث عن تاريخ مخرج العمل بول توماس اندرسون والقيمة النقدية العالية لمختلف إعماله السابقة بداية من عمله ليلة راقصة ومن ثم زهرة الماغنوليا وسيكون هناك دماء , تلك الأعمال الثلاث ورغم المواضيع المثيرة للجدل التي تتغزل فيها ألا أن ما جعلها من النوعية الرفيعة المستوى هي الشخصيات القابعة بين نصوصها .. الشخصيات التي كانت تحمل ألثمة الأبرز في ما يطلقه بول توماس في سينماة . فكل شخصية كانت تحاول البحث عن الوجود وعن قيمة ذاتية لها حتى في اردىء المواطن وأكثرها ظلمة .. شخصيات بول اندرسون تعتش في حالات من الازدواجية فأما تكون حرة بشكل فطري حيواني أو مقيده وهامشية بلا روح أو أفكار .. ومن هنا سوف نجد ارتباط بين شخصية فريدي (خواكين فينكس) وبين شخصيات الاعمال السابقة ولكن هنا حاول بول أن يقدم شخصية اعجازية بشكل غريب .. فأن تجمع بين الحرية والعبودية في نفس واحده أمر مثير للجدل ..
بول توماس اندرسون في عمله جر المشاهد الى العديد من الأسئلة إثناء وبعد المشاهدة .. ومنها : سر العلاقة بين السيد (فيليب سيمور هوفمان ) وفريدي (خواكين فينكس) ولما هذا الإصرار في الاحتفاظ بفريدي من قبل الأستاذ ؟؟ , ما الرابط بين الصور التي افتتح فيها العمل بول توماس اندرسون ومنها تلك الكثبان الرملية على شكل سيدة ومحاولة الاستنماء علية من قبل فريدي , او مشاهد الركض في السهول الوعرة وبين مشاهد الطقوس والتجارب التي قام به الأستاذ على فريدي .. ما سر الابتسامة الحمقاء التي ارتسمت على شفتي فريدي في المشهد الختامي في هذا العمل ..!
الرابط بين تلك المشاهد هو محاولة بول توماس اندرسون ان يخلق تلك الفكرة مابين مفهوم الحرية المطلقة التي كان يعتاشها فريدي قبل لقاء الأستاذ .. فريدي كان حالة فريدة من نوعها . وارى انه الحقيقة الوحيدة في العمل . بعكس الشخصيات الأخرى التي وجدتها مقيدة وكاذبة ومنعدمة الهوية .. ولهذا اجزم ان غلافات العمل كانت تظهر الأستاذ وزوجته بشكل منسوخ او صور معكوسة , بعكس فريدي الذي كان يتمركز في نصف الغلاف ليوعز انه شخصية أحادية من الداخل والخارج وتعتش حسب رغباتها الفطرية البحتة دون اي تلوين او تزييف .. في احد المشاهد الافتتاحية يقوم فريدي بدس رأسه بين إقدام جسد المرأة التي صنعها من كثبان الرمال وكأنه يود العودة من حيث جاء من ذلك الثقب الأسود وهو يعبر عن حالة الفراغ ومحاولة التلاشي لدى شخصية فريدي ومن هنا اوجز تمسك فريدي بالأستاذ في الجزء الاول من العمل لانه شعر في وجوديته بالحياة بالعاطفة والحساسية من ترابطه بالأستاذ والتي من خلالها صار عبد لتجاربه الشيطانية , اما الرابط الأخر في المشاهد فهو تلك المساحات الشاسعة التي حاول بول توماس ان ينقلها من خلال صوره ممتدة للأراضي المفتوحة على وسعها ومن جهة أخرى تلحظ مشهد الطقوس الذي أقيم على فريدي وهو محاولته المشي مرارا وتكرارا في احد الغرف ليقوم بملامسة الحائط والنافذة فيفشل في كل مره من اجبار ذاته انه يكمن في تلك الجمادات روح وحياة ؟؟ فهل من المعقول ان تجلب عصفور حر وتضع داخل قفص وان تقنعه ان تلك الجدران اكثر حرية من الفضاء الواسع الذي كان ينطلق فيه .. الفلسفة تكمن مابين الجسد والروح ومن السخرية ان تحبس جسدك مدعي انك تطلق العنان من خلال تلك الفكرة لروحك .. فالإنسان لا يمكن ان تفصل جسده عن روحه او حتى عقلة .
من اكثر مشاهد العمل التي أثارت في نفسي اهم الأفكار المتطرقة للعمل هو مشهد الاحتفاء في احد المنازل , في ذلك الاحتفال الذي يجلس فريدي في احد الزوايا ويبدأ بتخيل الاجساد الانثوية عارية تماماً امامه والذي لا اعلم لما وقتها تذكرت رائد السينما التجريبية الفرنسي جان لوك غوادر ومشاهد متماثلة قدمها في روائعه الاحتقار وبييرو المجنون .. ارى ان ذلك المشهد قدم الآنا الداخلية لفريدي اي ذاته الحره المنطلقة العنان والتي هي تعبد فطراتها الداخلية وغريزتها , ويمكننا ان نفسر العري في هذا المشهد من منطلق ان فريدي كان يرى تلك الشخصيات على حقيقتها دون الخوض في تلك الافكار المزيفة التي تكمن في دواخلها ..
من هنا سوف انطلق للبحث عن الحالة التي جعلت الاستاذ يرتبط بفريدي والتخوف الذي شعرته فيه الزوجة (ايمي ادامز ) ومحاولة كبح جماح تأثر الأستاذ بفريدي وليس العكس .. ففريدي عبر عن الجزء المدفون في نفس الاستاذ او الجزء المدفون في كافة البشر .. تلك الجزئية من الحرية والمتعة السادية والانحراف ولذا نشهد ان الشراب الذي كان يٌحضره فريدي عبر عن حالة الانفجار الجسدي وأطلاق العنان للحرية وهذا ما يفتقده الأستاذ وكأنه الترابط بين الاستاذ وفريدي ومن هنا جاء المشهد المخزي لقيام زوجة البرفسور بمداعبة العضو الذكري في مشهد لا يعبر عن الشهوانية بقدر ما يعبر عن محاولة تلك الفئة دفن اي بوادر لنزعة الرغبانية والنشوة الحيوانية التي بالتأكيد هي انعكاس للعبودية التي تنشى من خلال المسؤولية والعقيدة بشتى ألوانها ..
في خاتمة العمل يعود فريدي للقاء الأستاذ بعد سنوات وارى ان هذا المشهد هو المشهد الأفضل في عمل الماستر وان لم يكن من افضل مشاهد عام 2012 .. هذا المشهد ولو لاحظنا كان انعكاس خفي للبشرية .. فمع ان حالة البرفسور كانت تظهر للعيان بشكل برجوازي وهام الا انه كان يفتقد الجزء الاهم وهو الروح والحرية , وبعكس فريدي الذي كان يظهر بشكل رث وبائس الا انه كان في تلك اللحظة يعتش في حرية وروحانية تامه .. من هنا تأتي الابتسامة الحمقاء على وجه فريدي ساخر من البشرية اكثر من سخريته من الاستاذ .. فنحن ان اخترنا المسؤوليات والعقائد قيدنا حرياتنا وعواطفنا وان فعلنا العكس فستمر الحياه دون تحقيق اي هدف مادي واضح من وجوديتنا .. تلك السخرية جعلت فريدي في نهاية المطاف يرذف الدموع وكانه ينتحب عن عواطفة وذكرياته مع الاستاذ او يذرف دموع آلاسى على البشر وتلك اللعنة التي جعلتهم يخفقون في ايجاد الحقيقة الكاملة من وجوديتهم ..
السيد – . لبول توماس اندرسون هو حالة تفرض علاقة متشعبة الفلسفية والتي برزت من خلال شخصية فريدي .. تلك الشخصية التي تماهت في خلق البعد الاكثر انسانية مع مجتمع مشوهه او قطعان فارغة وهشه وغيرقادرة على التعبيرعن ذواتها الداخلية وهذا الفراغ انعكس على مفصليات العمل وامام المثشاهد مما جعله يدخل ويخرج من العمل صريع تلك اللغة والمشاهد . العمل حاول ان يقدم الصراع الأنساني في بحث جاد للهروب من كافة الشكليات والامور التي تكتسب من خلال المجتمع والتي تعمل على أجهاض الحرية المكتسبة من خلال الفطرة .. ومن هنا نطلق تفسيرنا لمحاولة فريدي الهروب من اي شكل كان له التأثير عليه او ربط بالواقع .
في نهاية المقال لا اود الحقيقية التطرق الى ابرز المعالم التقنية للعمل لانه بأختصار شديد من افضل المعالم المقدمة في هذا العام من خلال الصورة والاداء والموسيقى التصويرية التي كانت ذو مستوى عالي ويستحق التكريم والحديث المطول عنه , ولكني اجد اخفق في جعل المشاهد يتصل مع العمل بشكل كلي مما أثار ردود الفعل المتباينة حول العمل والذي جعلني اجد ان طريقة الطرح كانت سلبية بعض الشيء وتحدها جزء من الا موضوعية ..
9. Roma -Alfonso Cuaron
تدور أحداث الفيلم في مدينة مكسيكو سيتي بمطلع السبعينيات، حيث تحيا الخادمة الشابة "كليو" في كنف أسرة من الطبقة المتوسطة تربطها بأفرادها علاقة ودودة، لكن تتحول حياتها إلى مأساة حين تكتشف أنها قد حَمَلت سفاحاً، بالتزامن مع تعرض الأسرة لبعض الأحداث التي تزعزع استقرارها.
ما سبق ذكره هو لمحة من الخط الدرامي الرئيسي الذي اتبعه فيلم Roma لكنه لا يُمثل عقدته الرئيسية ولا هدفه الأساسي، إنما تمكن ألفونسو كوارون في استغلال حالة "كليو" بالغة الخصوصية لاستعراض واقع أعم وأشمل، وتسليط الضوء من خلال رحلتها على الأوضاع التي سادت بلاده في إحدى فتراتها الحرجة، كما برع في إحداث حالة من التوازن ما بين هذا وذاك دون أن يطغى أيهما على الآخر أو يجذب تركيز المشاهد بصورة أكبر.
برع كوارون بشكل خاص في التنقل بين الخاص والعام بسلاسة وهدوء حتى لو كان ذلك داخل المشهد الواحد، ويمكن تبين ذلك من عدة مشاهد بارزة ضمن أحداث الفيلم، منها المشهد الذي ذهبت "كليو" خلاله إلى حضانة الأطفال حديثي الولادة والذي تزامن مع حدوث الزلزال أو المشاهد التي صَوّرت التظاهرات.
إبداع الصورة السينمائية
Roma © Netflix |
قدم فيلم Roma واحدة من التجارب السينمائية القليلة المميزة من ناحية الصورة في عام 2018 وقد تكون الأفضل على الإطلاق، فقد أبدع المخرج ألفونسو كوارون في تصميم كادرات فائقة التميز، يبدو كل منها وكأنه لوحة فنية بالغة الدقة واضحة التفاصيل مُتكاملة العناصر، والأروع من ذلك هو تمكنه من جعل الصورة اللغة الرئيسية في الفيلم تُكمل دور الحوار -المكتوب في الأصل بعناية- وفي أحيان كثيرة تُغني عنه.
اعتمد كوارون في أغلب المشاهد على الكادرات الواسعة والحركة الأفقية الهادئة، التي تتيح للمشاهد رؤية أشمل وتضعه في موضع الشاهد والمُراقب، كما أنها في ذات الوقت أعطت انطباع بأن شخصية كليو -وإن كانت محور الأحداث- فإنها شخصية تعيش على هامش الحياة، بينما تخلى كوارون عن ذلك النمط في المشاهد الفاصلة، حيث كنا نشاهدها من وجهة نظر "كليو" نفسها في محاولة موفقة منه لدفع المُشاهد للتوحد مع الشخصية.
اختار ألفونسو كوارون تقديم الفيلم بالأبيض والأسود وقد انعكس ذلك على الفيلم بالعديد من الآثار الإيجابية، أولها -وأكثرها مباشرة- هو أنه ساهم في التعبير عن الفترة الزمنية التي تدور بها الأحداث، أما ثانيها وأهمها هو أن ذلك أضفى على الفيلم لمسة من الشجن تبدأ مع الكادر الأول وتستمر حتى المشهد الأخير، كما أن نمط التصوير بالأبيض والأسود أتاح أمامه الفرصة لاستغلال الوميض والظلال ومختلف العناصر الثانوية الواقعة ضمن الكادر لخلق صورة تعكس مشاعر شخصياته وتعبر عنها.
فيلم Roma وتلاحم العناصر الفنية
Roma © Netflix |
عند تكوين رأي حول أي عمل سينمائي عادة ما يتم تقييم كل عنصر من عناصره الفنية بصورة منفصلة عن الآخر، إلا أن هناك أفلام قليلة لا يمكن تقييمها بتلك الطريقة، حيث تصل العناصر الفنية بها إلى درجة من التشابك والتلاحم يصعب معها الفصل بينهم أو تناول أحدهم دون التطرق للآخر، وبالتأكيد فيلم Roma أحد تلك الأفلام.
كانت العناصر الفنية المتعددة في فيلم Roma تساهم مُجتمعة -بنفس التأثير والأهمية- في تكوين المشهد الواحد، الحوار فيه -أو بالأحرى الحوار القليل- يعكس مشاعر الشخصية التي تعبر عنها وتبلورها الصورة السينمائية، حتى أن العنصر الوحيد المفقود كان مؤثراً بغيابه وهو الموسيقى التصويرية؛ إذ أن نقصانها من المشاهد أضاف إليه المزيد من الواقعية.
في الختام لا يسعنا إلا القول بأن فيلم Roma -في مُجمله- يعتبر أحد أفضل وأقوى التجارب السينمائية التي تم تقديمها في عام 2018، واستحق عن جدارة المكانة التي بلغها والحفاوة التي تم استقباله بها في كل مَحفل دولي شارك به حتى الآن.
تقييم الفيلم: 8.5/10
10. Phantom Thread -Paul Thomas Anderson
“خيوط الفيلم” تبدو أكثر تشعبًا من أن تلتقطها … والمُفارقة أنّ عنوان الفيلم ذاته يحمل اسم “الخيوط الوهمية” !.
تجلس عارضة الأزياء “ألما” أمام مُصمم الأزياء وحبيبها – كما هو مُفترض – “رينولدز وودكوك” على طاولة طعام واحدة … لأول مرة يأكلان بدون وجود “سيريل” مساعدة “رينولدز” … لأول مرة تقوم “ألما” بتحضير الطعام على ذوقها الخاص، وباستخدام الزُبدة ! … لأول مرة يخلو لهما البيت الكبير ليكونا بمفردهما تمامًا، دون وجود باقي العارضات أو المُشتغلات على التصاميم أو غيره … لأول مرة كل شيء … لكن لا يرضى “رينولدز” عن كل هذا ! … يبتسم مُجاملًا … يأكل مُجاملًا … يبدو “مُتخشبًا” … تشعر “ألما” بذلك … تواجهه … تقول : “كل شيء في هذا المنزل غير طبيعي، فلتتوقف عن ألعابك، عن قواعدك، عن أموالك، كل شيء أشبه بلعبة” … يسألها “رينولدز” بهدوئِه المُعتاد والقاتل للأعصاب: “ألا تُعجبك الحياة في هذا المنزل؟” … تنظر “ألما” إلى “رينولدز” للحظات، تتجمع الدموع في عينيها، لا تستطيع أن تكبحها، تنهض، وتنصرف.
عند هذه اللحظة تحديدًا يبدو Phantom Thread أكثر اكتمالًا … تتفاعل معه … بعدما تبلور في تحديد متابعتنا لعلاقة “ألما” بـ “رينولدز” … لكن المشكلة أنّ هذه اللحظة – وغيرها – لا تصل بك إلى مرحلة التفاعل الكُلي المنشودة … هنالك حاجز بينك وبين شخصياته … التفاعل يأتي في لحظات … لكن سرعان ما يختفي في لحظاتٍ أخرى أكثر … أبرز لحظات التفاعل هذه عادةً تلك التي تجمع “ألما” بـ “رينولدز” … مثل تلك اللحظة التي تقيس فيها “ألما” أحد الفساتين، لتخبره و “سيريل” بأنّه لا يعجبها، فهي لا تحب طبيعة قماش الفستان، ترد “سيريل” بأنّ هذا القماش من أفضل الأنواع وأنّه مُناسب للفستان، يؤيدها “رينولدز” بالقول: “سيريل دائمًا على حق”، فترد “ألما” بأنّها ما زالت غير مُعجبة بالفستان، فيرد “رينولدز”: “ربما ليس لديك الذوق الكافي”، فترد “ألما” بشكل ساخر مُستتر: “ربما يعجبني ذوقي هكذا”، فينهرها “رينولدز” لتتوقف عن المُناقشة !.
تُحرك “ألما / فيكي كريبس” الأُمور الجامدة … ربما لهذا السبب تحديدًا هي الأقرب لنا … حتى من “رينولدز / دانيال دي لويس” ذاته ! … وفي لحظة يعترف “رينولدز” صراحةً لـ “سيريل” بأنّه لم يعُد قادرًا على العمل أو التفكير أو غيره … هي عصفتَ بهِ حرفيًا … وعصفت بنا نحنُ أيضًا معه … لكن للحظاتٍ كما ذكرنا … السكون يعود … الإيقاع المُفضل الذي يميل إليه مخرج الفيلم “بول توماس أندرسون”، فعادةً ما ينتصر للأجواء القاتمة والشخصيات المُفعمة بالأنانية … بل أنّه تبدو حتى الشخصيات الثانوية مثل: الرئيسية في طبيعتها تلك، مثل شخصية “اللايدي العجوز”، والتي ترغب في الزواج مُجددًا بمُباركة ابنها !.
لهذا التفاعل والاكتمال “مبتور” … والمشكلة أنّه عندما يأتي يسبقه الكثير من “التململ” … أنت تتابع لفترة “رينولدز” ذاته وطقوسه اليومية عند تصميمه للفساتين … تتابعه لفترة في تعامله مع الزبائن ومع المُشتغلات … تتابعه مع مُساعدته “سيريل” … كل هذا يتقاطع كثيرًا مع علاقته بـ “ألما” … يأخذ الكثير من طاقة التفاعل بينهما … وهو أهم ما في الفيلم … الحب والأخذ والعطاء والتنازل وغيره هو المَعني بالفيلم وليس “رينولدز” ! …
“ألما” قالت له كثيرًا: “أحبك”، ويمر الكثير من الفيلم ليعترف “رينولدز” هو الآخر بهذا الحب … أخيرًا ! … رغم أنّه قبلها يعترف بأنّه أخذ الكثير من الوقت ليبحث عنها ! … هل كان لأنّها “الموديل المُناسبة” لتصاميمه أم “الأُنثى المُناسبة” له هو شخصيًا ؟ … الفيلم يترك السؤال السابق الأهم، لينشغل ويُسهب في فرد مساحة لمحاولة اكتشاف شخصية “رينولدز”، فهو غامض، لديه الكثير ليقوله، لكنه لا يود التصريح به، ففي المرة الأولى التي يتقابل فيها مع “ألما” – والتي كانت تعمل كنادلة في مطعم وقتها – يُحدثها عن الأسرار، يُصارحها بأنّه عادةً ما كان يُخبئ الكثير من الأشياء في حاشية الملابس، منها صورة والدته التي لا تُفارقه أبدًا.
يتم تعويضنا بعنصرين مُميزين، التصوير والموسيقى التصويرية، وإن كان العُنصر الأخير تشعر في أوقات وكأنّه يأتي لمحاولة رفع ايقاع الفيلم الهادئ عادةً ! … لكن يظل العُنصر البصري ( تكوين الكادرات ) يرفع كثيرًا من قيمة الفيلم على طول الخط، فمثلًا في تتابعات مَشاهد الاحتفال – التي تحضرها “ألما” رغمًا عن “رينولدز” ليلحقها الأخير – تبدو “ألما” وسط جمهور الحفل، ترقص، تحتفل، وسط الأضواء، والكرنفال المُقام، في حين يقف “رينولدز” على مستوى أعلى، في مكان أكثر ظُلمةً، مُنزوي، لا يحاول خلق مساحة من التواصل مع الآخرين … في الوقت الذي يذكرنا هذا بمشهدٍ آخر يسبقه، وهو دخول “رينولدز” للبيت الكبير، بعدما صرفت “ألما” كل من فيه – كما ذكرنا – لتُنتظره واقفة على السُلم، في مُستوى أعلى منه هي هذه المرة … هذا الشد والجذب … ليس فقط في طبيعة العلاقة بينهما … بل يُعززه ويُعمقه ويخدمه العُنصر البصري بدرجة كبير … كل هذا من المفترض أن يخلق بداخلنا تلك الشرارة والمشاعر والكثير لمتابعة الحبيبين، لكنها فور أن تشتعل حتى سرعان ما تخبو !.
في ذات الوقت – وهو أهم ما في المقال وليس الفيلم – تبدو طريقة تعاملنا في العالم العربي مع الأفلام تحتاج لدراسة خاصة، فقد جمعتني مناقشة عن ذات الفيلم مع أحد المُخرجين، والذي صرح بأنّه كان ينتظر الفيلم لعظمة مُخرجه وبطله الذي أعلن اعتزاله بعد هذا الفيلم، وهو ما دفعني لسؤاله: ما إذا كان الحُكم على جودة الفيلم من عدمه تأتي نابعة من أهمية صُنّاعه أو العكس وليس لعاملٍ آخر؟ … والإجابة كانت إسهاب طويل لعظمة صُنّاع الفيلم مُجددًا ! … لكن ماذا عن الفيلم ؟! … هذا كله يُذكرنا بجدل كبير آخر – ما زال مُستمرًا حتى وقت كتابة المقال – حول فيلم “القضية رقم 23″، ومدى ارتباطه بأهمية صانعه “زياد دويري” أو كونه “مُطبعًا”، وهو ما يجعلنا ننسى الفيلم وتحليل عناصره – وهو الأهم – في خضم ذلك كله !