close

Roma -Alfonso Cuaron (9/13)

تدور أحداث الفيلم في مدينة مكسيكو سيتي بمطلع السبعينيات، حيث تحيا الخادمة الشابة “كليو” في كنف أسرة من الطبقة المتوسطة تربطها بأفرادها علاقة ودودة، لكن تتحول حياتها إلى مأساة حين تكتشف أنها قد حَمَلت سفاحاً، بالتزامن مع تعرض الأسرة لبعض الأحداث التي تزعزع استقرارها.

ما سبق ذكره هو لمحة من الخط الدرامي الرئيسي الذي اتبعه فيلم Roma لكنه لا يُمثل عقدته الرئيسية ولا هدفه الأساسي، إنما تمكن ألفونسو كوارون في استغلال حالة “كليو” بالغة الخصوصية لاستعراض واقع أعم وأشمل، وتسليط الضوء من خلال رحلتها على الأوضاع التي سادت بلاده في إحدى فتراتها الحرجة، كما برع في إحداث حالة من التوازن ما بين هذا وذاك دون أن يطغى أيهما على الآخر أو يجذب تركيز المشاهد بصورة أكبر.

برع كوارون بشكل خاص في التنقل بين الخاص والعام بسلاسة وهدوء حتى لو كان ذلك داخل المشهد الواحد، ويمكن تبين ذلك من عدة مشاهد بارزة ضمن أحداث الفيلم، منها المشهد الذي ذهبت “كليو” خلاله إلى حضانة الأطفال حديثي الولادة والذي تزامن مع حدوث الزلزال أو المشاهد التي صَوّرت التظاهرات.

إبداع الصورة السينمائية

Roma -Alfonso Cuaron
Roma © Netflix

قدم فيلم Roma واحدة من التجارب السينمائية القليلة المميزة من ناحية الصورة في عام 2018 وقد تكون الأفضل على الإطلاق، فقد أبدع المخرج ألفونسو كوارون في تصميم كادرات فائقة التميز، يبدو كل منها وكأنه لوحة فنية بالغة الدقة واضحة التفاصيل مُتكاملة العناصر، والأروع من ذلك هو تمكنه من جعل الصورة اللغة الرئيسية في الفيلم تُكمل دور الحوار -المكتوب في الأصل بعناية- وفي أحيان كثيرة تُغني عنه.

اعتمد كوارون في أغلب المشاهد على الكادرات الواسعة والحركة الأفقية الهادئة، التي تتيح للمشاهد رؤية أشمل وتضعه في موضع الشاهد والمُراقب، كما أنها في ذات الوقت أعطت انطباع بأن شخصية كليو -وإن كانت محور الأحداث- فإنها شخصية تعيش على هامش الحياة، بينما تخلى كوارون عن ذلك النمط في المشاهد الفاصلة، حيث كنا نشاهدها من وجهة نظر “كليو” نفسها في محاولة موفقة منه لدفع المُشاهد للتوحد مع الشخصية.

اختار ألفونسو كوارون تقديم الفيلم بالأبيض والأسود وقد انعكس ذلك على الفيلم بالعديد من الآثار الإيجابية، أولها -وأكثرها مباشرة- هو أنه ساهم في التعبير عن الفترة الزمنية التي تدور بها الأحداث، أما ثانيها وأهمها هو أن ذلك أضفى على الفيلم لمسة من الشجن تبدأ مع الكادر الأول وتستمر حتى المشهد الأخير، كما أن نمط التصوير بالأبيض والأسود أتاح أمامه الفرصة لاستغلال الوميض والظلال ومختلف العناصر الثانوية الواقعة ضمن الكادر لخلق صورة تعكس مشاعر شخصياته وتعبر عنها.

فيلم Roma وتلاحم العناصر الفنية

Roma -Alfonso Cuaron
Roma © Netflix

عند تكوين رأي حول أي عمل سينمائي عادة ما يتم تقييم كل عنصر من عناصره الفنية بصورة منفصلة عن الآخر، إلا أن هناك أفلام قليلة لا يمكن تقييمها بتلك الطريقة، حيث تصل العناصر الفنية بها إلى درجة من التشابك والتلاحم يصعب معها الفصل بينهم أو تناول أحدهم دون التطرق للآخر، وبالتأكيد فيلم Roma أحد تلك الأفلام.

كانت العناصر الفنية المتعددة في فيلم Roma تساهم مُجتمعة -بنفس التأثير والأهمية- في تكوين المشهد الواحد، الحوار فيه -أو بالأحرى الحوار القليل- يعكس مشاعر الشخصية التي تعبر عنها وتبلورها الصورة السينمائية، حتى أن العنصر الوحيد المفقود كان مؤثراً بغيابه وهو الموسيقى التصويرية؛ إذ أن نقصانها من المشاهد أضاف إليه المزيد من الواقعية.

في الختام لا يسعنا إلا القول بأن فيلم Roma -في مُجمله- يعتبر أحد أفضل وأقوى التجارب السينمائية التي تم تقديمها في عام 2018، واستحق عن جدارة المكانة التي بلغها والحفاوة التي تم استقباله بها في كل مَحفل دولي شارك به حتى الآن.

تقييم الفيلم: 8.5/10

شاركنا تصويتك

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

إضافة إلى المجموعات

لا يوجد مجموعات

ستجد هنا جميع المجموعات التي قمت بإنشائها من قبل.