close

The Master -Paul Thomas Anderson (8/13)

بول توماس اندرسون يفتح نافذة من مصرعيها للعديد من الاسئلة أمام المشاهد , ويعاود يغلقها بشكل مثير للجدل !! ,, (السيد) من الاعمال التي أخفقت بشكل جزئي من عمل حلقة للأتصال بين المشاهد والعمل , فهو عمل يحمل أفق واسعة وافكار ممتازة , ولكنه افتقد للموضوعية وتماهى بالغوغائية .

The Master -Paul Thomas Anderson

أي عمل سينمائي يتخذ منحنى احادي التفكير فهو عمل لا يستحق البحث فيه والولوج إلى ابرز ما قُدم .. ومن هنا تأتي الأهمية مما خلقه المخرج بول توماس اندرسون في اخر اعماله (السيد) فنحن في حالة فريدة من نوعها ,, تعطي مساحة في البحث عن العلاقة ما بين الدين والأخلاق والفرد ؟؟
تلك العلاقة التي نحاول التواصل معها دون أي اعتبارات أو وضوح حقيقي لملابساتها.. ومن هنا اجزم أن صعوبة التواصل مابين العمل والُمشاهد تعكس بشكل آو أخر انعدام الاتصال بين الفرد والمجتمع .. بول توماس اندرسون أستحضر هنا احد الديانات المختلقة من قبل المؤلف رون هوبارد _سينتولوجيا_ وهذه الديانة التي خرجت للعلانية في بداية الخمسينيات والتي تعبر احد الفلسفات العلمانية والتي تتخذ من الفرد عبد لطقوسها ألا منطقية والتي تتخذ طابع علمي ولا عقلاني لتنبؤ بنفس البشرية  وتحديد فطرته الغريزية من منطلق أيجاد حالة أكثر روحانية للطابع الإنساني من خلال تهميش العقل والجسد وذلك لرفع القيمة الأخلاقية .. حقيقة لا تهمنِ تلك المفاهيم والتي كان لابد لي من وضعها في بداية مراجعاتي للوقوف على عمل _السيد_ من اتجاهين , احدهما من نافذة ضيقة التفكير وهو التفسير الأكثر رواجاً لهذا العمل وهو إننا ضمن عمل ينتقد تلك الديانة ويسخر منها ويظهر مدى ازدواجية شخصية المختلق لها ,, ومن الاتجاه الأخر وهذا ما اعتبره قراءتي الشخصية وهي أن العمل يبحث في العديد من الأبواب والاستفسارات الفلسفية حول القيود التي ترصدها كل من العقائد والأخلاقيات والمسؤوليات والتي يختنق في ثالوث جحيمي .. دعوني من الحديث عن الأفكار ولننطلق للحديث عن تاريخ مخرج العمل بول توماس اندرسون والقيمة النقدية العالية لمختلف إعماله السابقة بداية من عمله ليلة راقصة ومن ثم زهرة الماغنوليا وسيكون هناك دماء  , تلك الأعمال الثلاث ورغم المواضيع المثيرة للجدل التي تتغزل فيها ألا أن ما جعلها من النوعية الرفيعة المستوى هي الشخصيات القابعة بين نصوصها .. الشخصيات التي كانت تحمل ألثمة الأبرز في ما يطلقه بول توماس في سينماة . فكل شخصية كانت تحاول البحث عن الوجود وعن قيمة ذاتية لها حتى في اردىء المواطن وأكثرها ظلمة .. شخصيات بول اندرسون تعتش في حالات من الازدواجية فأما تكون حرة بشكل فطري حيواني أو مقيده وهامشية بلا روح أو أفكار .. ومن هنا سوف نجد ارتباط بين شخصية فريدي (خواكين فينكس) وبين شخصيات الاعمال السابقة ولكن هنا حاول بول أن يقدم شخصية اعجازية بشكل غريب .. فأن تجمع بين الحرية والعبودية في نفس واحده أمر مثير للجدل ..

The Master -Paul Thomas Anderson
بول توماس اندرسون في عمله جر المشاهد الى العديد من الأسئلة إثناء وبعد المشاهدة .. ومنها : سر العلاقة بين السيد (فيليب سيمور هوفمان ) وفريدي (خواكين فينكس) ولما هذا الإصرار في الاحتفاظ بفريدي من قبل الأستاذ ؟؟ , ما الرابط بين الصور التي افتتح فيها العمل بول توماس اندرسون ومنها تلك الكثبان الرملية على شكل سيدة ومحاولة الاستنماء علية من قبل فريدي , او مشاهد الركض في السهول الوعرة وبين مشاهد الطقوس والتجارب التي قام به الأستاذ على فريدي .. ما سر الابتسامة الحمقاء التي ارتسمت على شفتي فريدي في المشهد الختامي في هذا العمل ..!

الرابط بين تلك المشاهد هو محاولة بول توماس اندرسون ان يخلق تلك الفكرة مابين مفهوم الحرية المطلقة التي كان يعتاشها فريدي قبل لقاء الأستاذ .. فريدي كان حالة فريدة من نوعها . وارى انه الحقيقة الوحيدة في العمل . بعكس الشخصيات الأخرى التي وجدتها مقيدة وكاذبة ومنعدمة الهوية .. ولهذا اجزم ان غلافات العمل كانت تظهر الأستاذ وزوجته بشكل منسوخ او صور معكوسة , بعكس فريدي الذي كان يتمركز في نصف الغلاف ليوعز انه شخصية أحادية من الداخل والخارج وتعتش حسب رغباتها الفطرية البحتة دون اي تلوين او تزييف .. في احد المشاهد الافتتاحية يقوم فريدي بدس رأسه بين إقدام جسد المرأة التي صنعها من كثبان الرمال وكأنه يود العودة من حيث جاء من ذلك الثقب الأسود وهو يعبر عن حالة الفراغ ومحاولة التلاشي لدى شخصية فريدي ومن هنا اوجز تمسك فريدي بالأستاذ في الجزء الاول من العمل لانه شعر في وجوديته بالحياة بالعاطفة والحساسية من ترابطه بالأستاذ والتي من خلالها صار عبد لتجاربه الشيطانية , اما الرابط الأخر في المشاهد فهو تلك المساحات الشاسعة التي حاول بول توماس ان ينقلها من خلال صوره ممتدة للأراضي المفتوحة على وسعها ومن جهة أخرى تلحظ مشهد الطقوس الذي أقيم على فريدي وهو محاولته المشي مرارا وتكرارا في احد الغرف ليقوم بملامسة الحائط والنافذة فيفشل في كل مره من اجبار ذاته انه يكمن في تلك الجمادات روح وحياة ؟؟ فهل من المعقول ان تجلب عصفور حر وتضع داخل قفص وان تقنعه ان تلك الجدران اكثر حرية من الفضاء الواسع الذي كان ينطلق فيه .. الفلسفة تكمن مابين الجسد والروح ومن السخرية ان تحبس جسدك مدعي انك تطلق العنان من خلال تلك الفكرة لروحك .. فالإنسان لا يمكن ان تفصل جسده عن روحه او حتى عقلة .

من اكثر مشاهد العمل التي أثارت في نفسي اهم الأفكار المتطرقة للعمل هو مشهد الاحتفاء في احد المنازل , في ذلك الاحتفال الذي يجلس فريدي في احد الزوايا ويبدأ بتخيل الاجساد الانثوية عارية تماماً امامه والذي لا اعلم لما وقتها تذكرت رائد السينما التجريبية الفرنسي جان لوك غوادر ومشاهد متماثلة قدمها في روائعه الاحتقار وبييرو المجنون .. ارى ان ذلك المشهد قدم الآنا الداخلية لفريدي اي ذاته الحره المنطلقة العنان والتي هي تعبد فطراتها الداخلية وغريزتها , ويمكننا ان نفسر العري في هذا المشهد من منطلق ان فريدي كان يرى تلك الشخصيات على حقيقتها دون الخوض في تلك الافكار المزيفة التي تكمن في دواخلها ..

The Master -Paul Thomas Anderson
من هنا سوف انطلق للبحث عن الحالة التي جعلت الاستاذ يرتبط بفريدي والتخوف الذي شعرته فيه الزوجة (ايمي ادامز ) ومحاولة كبح جماح تأثر الأستاذ بفريدي وليس العكس .. ففريدي عبر عن الجزء المدفون في نفس الاستاذ او الجزء المدفون في كافة البشر .. تلك الجزئية من الحرية والمتعة السادية والانحراف ولذا نشهد ان الشراب الذي كان يٌحضره فريدي عبر عن حالة الانفجار الجسدي وأطلاق العنان للحرية وهذا ما يفتقده الأستاذ وكأنه الترابط بين الاستاذ وفريدي ومن هنا جاء المشهد المخزي لقيام زوجة البرفسور بمداعبة العضو الذكري في مشهد لا يعبر عن الشهوانية بقدر ما يعبر عن محاولة تلك الفئة دفن اي بوادر لنزعة الرغبانية والنشوة الحيوانية التي بالتأكيد هي انعكاس للعبودية التي تنشى من خلال المسؤولية والعقيدة بشتى ألوانها ..

في خاتمة العمل يعود فريدي للقاء الأستاذ بعد سنوات وارى ان هذا المشهد هو المشهد الأفضل في عمل الماستر وان لم يكن من افضل مشاهد عام 2012 .. هذا المشهد ولو لاحظنا كان انعكاس خفي للبشرية .. فمع ان حالة البرفسور كانت تظهر للعيان بشكل برجوازي وهام الا انه كان يفتقد الجزء الاهم وهو الروح والحرية , وبعكس فريدي الذي كان يظهر بشكل رث وبائس الا انه كان في تلك اللحظة يعتش في حرية وروحانية تامه .. من هنا تأتي الابتسامة الحمقاء على وجه فريدي ساخر من البشرية اكثر من سخريته من الاستاذ .. فنحن ان اخترنا المسؤوليات والعقائد قيدنا حرياتنا وعواطفنا وان فعلنا العكس فستمر الحياه دون تحقيق اي هدف مادي واضح من وجوديتنا .. تلك السخرية جعلت فريدي في نهاية المطاف يرذف الدموع وكانه ينتحب عن عواطفة وذكرياته مع الاستاذ او يذرف دموع آلاسى على البشر وتلك اللعنة التي جعلتهم  يخفقون في ايجاد الحقيقة الكاملة من وجوديتهم ..

The Master -Paul Thomas Anderson
السيد – . لبول توماس اندرسون هو حالة تفرض علاقة متشعبة الفلسفية والتي برزت من خلال شخصية فريدي .. تلك الشخصية التي تماهت في خلق البعد الاكثر انسانية مع مجتمع مشوهه او قطعان فارغة وهشه وغيرقادرة على التعبيرعن ذواتها الداخلية وهذا الفراغ انعكس على مفصليات العمل وامام المثشاهد مما جعله يدخل ويخرج من العمل صريع تلك اللغة والمشاهد . العمل حاول ان يقدم الصراع الأنساني في بحث جاد للهروب من كافة الشكليات والامور التي تكتسب من خلال المجتمع والتي تعمل على أجهاض الحرية المكتسبة من خلال الفطرة .. ومن هنا نطلق تفسيرنا لمحاولة فريدي الهروب من اي شكل كان له التأثير عليه او ربط بالواقع .

في نهاية المقال لا اود الحقيقية التطرق الى ابرز المعالم التقنية للعمل لانه بأختصار شديد من افضل المعالم المقدمة في هذا العام من خلال الصورة والاداء والموسيقى التصويرية التي كانت ذو مستوى عالي ويستحق التكريم والحديث المطول عنه , ولكني اجد اخفق في جعل المشاهد يتصل مع العمل بشكل كلي مما أثار  ردود الفعل المتباينة حول العمل والذي جعلني اجد ان طريقة الطرح كانت سلبية بعض الشيء وتحدها جزء من الا موضوعية ..

شاركنا تصويتك

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

إضافة إلى المجموعات

لا يوجد مجموعات

ستجد هنا جميع المجموعات التي قمت بإنشائها من قبل.