حالات نصب، سطو، اختطاف وسرقات بالملايين، تركت بصمتها في التاريخ لتُنجب أعمال فنية متفاوتة الجودة ستعجبك حقا
تعددت، أنواع السرقة ودوافعها على مر التاريخ، وما زال اللصوص يبتكرون طرق جديدة للنبش والاستحواذ، ومع هذا التطو التكنولوجي الصاروخي، والعولمة المتفشية، سادت ميوعة الأنظمة الأمنية، وأضحى اختراق الشبكات المعلوماتية أكثر سهولة.
السرقة موجودة في كل زمان ومكان، بطرق غير متوقعة، وخطط محبوكة بعناية. غير أن الأمر، في الماضي، لم يكن من الصعوبة بمكان، فقط تحتاج إلى إعمال عقلك، واستخدام قدميك بخفة، والاستعانة ببعض الأصدقاء، والأهم من ذلك هو معرفة كيفية الهرب دون أثر، وإلا ستندم على فعلتك إلى الأبد.
هنا أصدقائي نعرض لكم مجموعة من السرقات التي حدثت في أرض الواقع، ألهمت صناع الأفلام، ووجدوا فيها مادة دسمة لصناعة أفلام أثارة مميزة.
في إحدى نوبات يأسها سَمِعتُ أُمي تُغمغِم: ( لا بُد للرب مِن أن يُبيح السرقة أحياناً، من أجل إطعام الأطفال). غابرييل غارسيا ماركيز
1. فيلم The Dog Day Afternoon عام 1975
فيلم مميز، من بطولة العرّاب (آل باتشينو) الذي كان موضع اهتمام بعد ظهوره بأداء أكثر من رائع في ثنائية العرّاب. ولم يخيب النجم الساطع (آل باتشيتو) الآمال المعلقة عليه، بما أنه استحوذ على رضى النقاد والجماهير معاً، بالإضافة إلى أنه نافس بقوة على جميع الجوائز، وفاز بجائزة (البافتا) لأفضل ممثل.
ما يستدعي الاهتمام أن الفيلم استمد قوته من السيناريو المنسوج بعناية والحوارات القوية، وبناء على ذلك حصد جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي. وقد أحرز هذا العمل السينمائي تقييم 95% من نقاد موقع الطماطم الفاسدة، و8/10 على موقع Imdb.
تميز الفيلم بالرزانة، والكادرات المميزة التي صنعها المُخرج العبقري (سيدني لوميت)، لكي يصنع لوحة فنية متكاملة، يتوسطها بمركزية الأحداث براعة (آل باتشينو) بجانب الأداء المميز ل (جون كيزل). ستجد في منتصف المصيبة التي يتمحور حولها الفيلم كحدث رئيسي، نوع من الكوميديا السوداء، التي تبرُز في المواقف الدرامية المحصورة في الفعل الواحد.
يدور الفيلم حول الفتى (سوني)، الذي يحاول مساعدة فتى آخر يُدعى (ليون) لتغيير هويته الجنسية من ذكر إلى أنثى. فكر (ليون) في أجراء عملية تحويل، غير أن المال وقف في طريقه كعائق حال بينه وبين أحلامه. لذا قرر (سوني) بمساعدة صديقه (سال) سرقة بنك؛ لتمويل عملية (ليون)، كل هذا بدون معرفة الأخير.
ولكن وبعد التخطيط للعملية، فوجئ (سوني) أن كل شيء سار بشكل خاطئ، وشعر بخيبة أمل كبيرة بعد أن وجد مبلغ صغير من المال في البنك، لا يكفي العملية. وما زاد الطين بلّة، الشرطة التي حاصرت المكان، مُغلقة كل سبيل للهروب. ولكن بعد مكالمة من الشرطة، تتغير خُطة (سوني) للتحول إلى شيء آخر تماماً، ومغصوباً على أمره، يُقحم (سوني) نفسه في أشياء خطرة لم يتوقعها من أجل صديقه.
استلهم الفيلم قصته من قصة الشاب (جون ووجتويتز)، هو الشاب الحقيقي الذي أقدم على السرقة لأجل حبيبه، بيد أن (جون ووجتويتز) خرج بعدها ليقول إن قصة الفيلم ليست حقيقية بالكامل، وتخللها الكثير من الخيال، لإضفاء عنصر التشويق. القصة الحقيقية حدثت في ال 22 من أغسطس، عام 1972، عندما اقتحم (جون ووجتويتز) وصديقه بنك Chase Manhattan ب(بروكلين). وانتهت محاولتهم بالسجن.
2. فيلم The Newton Boys عام 1998
فيلم من بطولة (ماثيو ماكونهي) و(إيثان هوك)، يستقصي حياة الأخوة نيوتن. أربع أخوة ينحدرون من عائلة فقيرة يعملون في الزراعة، يحاول أخاهم الأكبر (ويليز) أن يقنعهم بترك الزراعة وتجربة حظهم في سرقة المصارف؛ لكي يتحولوا من مجرد أربع أشخاص إلى أشهر سارقي بنوك في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة بين 1919 إلى 1924.
اقتبس الفيلم حكايته من قصة عصابة نيوتن المشهورة، الذين سطو على عشرات البنوك، ونهبوا 6 قطارات كاملة. اشتهرت عصابة نيوتن بعملياتهم النظيفة، فلم يقتلوا أي شخص خلال عملياتهم.
البعض يعيب على الفيلم اختياره ل(ماثيو ماكونهي) لكي يؤدي دور البطولة في الفيلم، لأنه ببساطة لم يستطع أن يقدم نموذج صادق لرجل العصابات الغربي في هذه الحقبة، لم يستطع أن يستحضر الشخصية بكل ثنياتها، أو يصنع من نفسه رجل عصابات حقيقي. على أي حال، حصل الفيلم على تقييم 63% على موقع الطماطم الفاسدة، و6.1/10 على موقع Imdb.
3. فيلم Public Enemies عام 2009
فيلم مثير من بطولة الموهوب (جوني ديب) والرائع (كريستيان بيل) والجميلة (ماريون كوتيار)، مُقتبس من كتاب للمؤلف (براين برو) عن حياة واحد من أشهر المُجرمين وساقي البنوك في أمريكا على الإطلاق (جون ديلينجر).
في فترة الثلاثينيات، ساد الكساد الاقتصادي في أمريكا مما دفع الناس للوم البنوك كمؤسسات رأسمالية تنهب أموال الشعب، وهي السبب في الكساد والفقر الذي يعيشونه. لمع نجم (جون ديلينجر) في ذلك الوقت كمُجرم وسارق مصارف داهية بالنسبة للشرطة، وكبطل شعبي بالنسبة للناس العاديون، وخاصة لأنه في بعض الأحيان كان يسرق البنوك ويعطي الفقراء، مما جعله ينبغ في حيوات الفقراء بشكل كبير. سطا (جون ديلينجر) على عشرت بنوك في أماكن وولايات مختلفة، وهر من السجن مرتين، مما جعله هدف لمكتب التحقيق الفيدرالي.
يتقصى الفيلم حياة (جون ديلينجر) وصراعه مع المباحث الفيدرالية، على وجه الخصوص مع الضابط (ملفين بورفيس) وكيف صنع لنفسه سمعة؟ وكيف عاش حياته بين العصابات والسجون والمطاردات؟
تميز الفيلم بطاقم العمل القوي، بجانب المُخرج الرائع (مايكل مان)، ولكن شعر بعض النقاد بخيبة الأمل بعد مشاهدة الفيلم، لأنهم توقعوا فيلم أقوى وأعمق من هذا، ولكن الفيلم كان مقبول على أي حال، إنما مثل جميع أفلام (جوني ديب) تتم مهاجمتها من النقاد. أحرز الفيلم تقييم 67% من نقاد موقع الطماطم الفاسدة، 70% على موقع Metacritic، 7/10 على موقع Imdb.
4. فيلم The Great Riviera Bank Robbery وفيلم Les Egouts du Paradis
إنهم فيلمان، ليسوا فيلم واحد فقط…نعم، فيلمان يتناولان نفس القصة، في نفس العام، وحكاية واحدة فقط ألهمت صناع العملين، أحدهم فيلم فرنسي والأخر فيلم إنجليزي، تناول العملان واحداً من أكبر وأذكى سرقات المصارف على الإطلاق “سرقة البلاليع” لآنها أخذت البالوعة أسفل البنك كمنفذ لدخول المصرف.
الفيلمان يناقشان نفس القضية، ونفس الموضوع، ولكن أحدهم يجعل من اللصوص أبطال، والأخر يأخذ اللصوص على أنهم لصوص فقط.
قصة الفيلمان مُقتبسة من سرقة المصرف الفرنسي الضخم (سوسيتيه جنرال) الذي دبرها المُجرم الفرنسي المشهور (ألبرت سباجياري) عندما وجد البلاليع تقع بقرب البنك، وبمعاونة أفراد عصابته، ظلوا شهرين كاملين يحفرون نفق تحت الأرض يصلهم بخزانة المصرف، لكي ينجحوا في نهاية الأمر في سرقة ما يُقدر بأكثر من خمسون مليون فرنك فرنسي. حدثت السرقة الحقيقية في 16 يوليو عام 1976. وتشعشعت الجريمة آنذاك، وأخذت موقع مهم في التاريخ، وتفشى الخبر كالنار في الهشيم، مما دفع صناع الأفلام في التفكير جدياً بتحويل هذه الجريمة الذكية إلى فيلم.
الفيلم الإنجليزي من بطولة الممثل الرائع (إيان ماكشين)، وكان بعيداً تماماً عن حميمية البطولة ووهج السرقة من أجل مصلحة الناس، بجانب أن أسماء الشخصيات في الفيلم ليست حقيقية. أما الفيلم الفرنسي من بطولة الممثل الفرنسي (فرانسيس هوستر)، جعل من اللصوص أبطال، بالإضافة أن أسماء الشخصيات هي الأسماء الحقيقية للأشخاص الحقيقيون اللذين قاموا بالعملية.
الجدير بالذكر أن بعض الناس يصفون هذه الجريمة كجريمة سياسية، ويعتبروا دوافعها سياسية في المقام الأول بعيداً عن الجشع والرغبة بالنقود. غير أن الجميع يتفق أنها كانت جريمة ذكية وأنيقة وصادمة.
5. فيلم The Grey Fox عام 1982
فيلم رائع، من بطولة النجم الموهوب (ريتشارد فارنسورث)، وترشح إثره لأوسكار أفضل ممثل ولكنه لم ينل الجائزة. الفيلم مُقتبس من قصة اللص الأكثر تهذيباً كما كانوا يطلقون عليه (بيل مينر)، لم يبرع هذا الشخص في أي شيء غير السرقة.
يخرج (بيل) من السجن بعد عقوبة 33 عاماً قضاها داخل الزنزانة، ليجد نفسه غريب في عالم مُبهم وغير واضح المعالم بالنسبة له، يحاول أن يبتعد عن الجريمة، ويعيش حياة هادئة، غير أنه شعر بعدم الانتماء لهذه الحياة. ليتحول السيد (بيل) من سارق عربات إلى سارق قطارات.
ما ميز لصنا الرائع، أنه كان مُهذب إلى أقصى درجة، لم يكن يسمح بإراقة الدماء قط، إذا اضطر إلى الضغط على الزناد في مواقف الشدة القصوى، لم يكن ليقتل أحد. أنه هنا للسرقة فقط. أُطلِقَ عليه “الثعلب الرمادي” بسبب دهائه.
البعض يصنف الفيلم كفيلم ألمعي، لم يأخذ حقه من التكريم والاحتفاء. غير أنه حفر لنفسه طريق نحو التميز، بترشحه للعديد من الجوائز منها جائزتي (جولدن جلوب). الفيلم تناول (بيل مينر) بطريقة كلاسيكية ولكنها ليست جامدة، حيث أعطى مساحة أكبر للشخصية للتطور، بجانب أن فهم المُخرج والممثل للشخصية والبيئة المحيطة والوقت الذي عاشت فيه؛ جعلت من الفيلم أكثر واقعية وأقرب إلى الحقيقة منه إلى الكاميرا الجامدة. وقد حصل الفيلم على 100% على موقع الطماطم الفاسدة، و7.6/10 على موقع Imdb.
6. فيلم Buster عام 1988
في يوم الثامن من أغسطس عام 1963، وقعت أكبر عملية سرقة لقطار في التاريخ The Great Train Robbery، حيث خرج اللصوص بمبلغ يقدر ب 2.5 مليون جنيه. الفيلم من بطولة المطرب والممثل الشهير (فيل كولنز)، يتقصى سيرة اللص المُشارك في هذه العملية (باستر إدواردز)، ورغم أنه لم يكن العقل المُدبر للعملية، لكن حياته كانت مُثيرة للاهتمام. حيث جرى أنه بعد السرقة، انقطعت أخباره، (ولم يستطع التواصل مع ابنته وزوجته، مما جعله يخطط لمقابلتهم في المكسيك.
اشتمل الفيلم على تفاصيل خطة السطو على القطار، بالإضافة إلى علاقة (باستر) بعائلته، وإخلاصه لزوجته، وعلى الناحية الأخرى يتتبع الفيلم حياة بطل القصة خطوة بخطوة قبل وبعد استحواذه على مبلغ كبير من المال.
الكثير من النقاد عابوا على الفيلم اختياره لمطرب لكي يؤدي شخصية لص، حيث أنه من وجهة نظرهم لم يوفق في احتواء الشخصية والتعبير عنها بشكل يبرز ملامح التميز الذي يتملكها، ولكن وعلى الرغم من هجوم النقاد على الفيلم، ترشح الفيلم لأوسكار أفضل أغنية، وفاز ب (الجولدن جلوب) لأفضل أغنية. وقد حصل الفيلم على 5.8/10 على موقع Imdb.
7. فيلم The General عام 1998
فيلم من بطولة الممثل الكبير (برندان غليسون)، يعرض فيه السيرة الذاتية لأحد أشهر السارقين في تاريخ أيرلندا، أنه “الجنرال” كما كان يُلقب آنذاك، (مارتن كاهيل).
الفيلم يُمعن التقصي في قصة حياة المُجرم ذائع الصيت (مارتن كاهيل)، الذي سرق هو وعصابته مجوهرات تُقدر باثنين مليون جنيه أسترليني، مما استدعى غلق المتجر بالكامل، وتسريح ما يُقدر بمئة عامل. بالإضافة إلى أنه كان متورط في سرقة عدد من أشهر اللوحات الفنية في العالم من متحف (روسبورو). البعض كان يطلق عليه (روبن هود)، وكان معشوق الشعب الأيرلندي، وما أنفك الناس عن حبه، والترحيب به في الشوارع، لأنه كان مُناصر لهم. عَرَفَ (مارتن كاهيل) أنه يستطيع خداع الشرطة بسهولة، وكان يستغل ذلك للقيام بأعماله.
الفيلم مميز، أحرز تقييم 81% على موقع الطماطم الفاسدة، و7.3/10 على موقع Imdb، بجانب حصوله على 81% على موقع Metacritic المتخصص في نقد الأفلام. نافس الفيلم على عدة جوائز في مهرجان (كان) الفرنسي، بالإضافة لعدة مهرجانات أخرى. الفيلم بالتأكيد كان يستحق ترشيح للأوسكار لكنه ظُلم في ذلك الوقت لا نعرف لماذا؟
8. فيلم Catch Me if You Can عام 2002
فيلم من بطولة النجم (ليوناردو دي كابريو) والرائع (توم هانكس) والجميلة (إيمي آدمز) ومن إخراج العبقري (ستيفن سبيلبيرج). رُشح الفيلم لجائزتي أوسكار وثلاث جوائز (بافتا) وجائزة (جولدن جلوب) واحدة. وأحرز تقييم 95% من نقاد موقع الطماطم الفاسدة، 75% على موقع Metacritic المتخصص في النقد، وحصل على تقييم 8.1/10 على موقع Imdb.
قصة الفيلم مستوحاة من شخصية (فرانك أباغنيل) واحد من أذكى المزورين، وأكثرهم موهبة، في الواقع هو نصّاب درجة أولى، وقد احتال تقريباً على كل شخص قابله. والجدير بالذكر أنه سافر إلى 26 بلد مختلفة بواسطة شيكات مزورة قبل أن يبلغ ال 19عاماً، بالإضافة إنه أنتحل عدد من المهن، منها طبيب، وطيار، ومحامي…ومارس بعضها بالفعل، دون ترخيص.
عظمة الفيلم تكمُن في الأداء القوي ل(دي كابريو) و(هانكس) بالإضافة إلى عبقرية المُخرج (سبيلبيرج) في صنع الحدث، والحرص التام على القاعدة الأولى في صنع الأفلام، وأنا أقصد هنا عامل تسلية المُشاهد وإثارة روحه بكل لحظة بالفيلم، وهذا ما وضعه (سبيلبيرج) نصب عينيه عند إخراج هذا الفيلم، حيث أنه صاغ فيلم غير مُمل، وأضاف إليه نزعة الكوميديا والسخرية البيضاء، التي شكّلت عمل يحترم العقول دون أن يبتذل في المشاهد، أو يبتعد عن فكرة الفيلم الأصلية.