A Separation-Asghar Farhadi (3/13)
تستهويني مشاهدة الأفلام الاجتماعية الإنسانية وأتتبعها لا في السينما الأمريكية والعربية فحسب، وإنما في السينما الأوروبية والهندية والإيرانية، لذا كان من نصيبي مؤخراً مشاهدة فيلم إيراني حائز على بضع جوائز الأوسكار اسمه «انفصال»، الفيلم شديد العمق وشديد الصدق وشديد البساطة. يتناول الفيلم قصة طلاق بين زوجين من الطبقة الوسطى هما «نادر وسيمين»، وهما زوجان في متوسط العمر لهما ابنة في عمر الرابعة عشرة، وفي خضم تلك القصة تنعكس كل التغيرات التي يمر بها المجتمع الإيراني بفئاته وشرائحه الاجتماعية ما بين زوجة تطلب الطلاق لرغبتها في مغادرة البلاد، أملاً في مستقبل أفضل لابنتهما الوحيدة، وزوج يرفض ذلك لإعالته لوالده المريض بالـ«الزهايمر». تتقاطع تلك القصة مع خيوط قصة أسرة فقيرة يحمل الزوج عبء ديون عديدة وتحاول الزوجة «رضية» مساعدة زوجها بالعمل خادمة في البيوت، تقود تلك الظروف الصعبة رضية لرعاية الجد المصاب بالـ«الزهايمر»، وتتشابك الأحداث لتصل ذروتها في مشاجرة بين نادر ورضية حين يراها وقد تركت أباه المريض وحده مربوطاً، فيدفعها فتُسقط حملها، لتتصاعد الأحداث إلى دعوى ترفعها رضية ضد نادر متهمة إياه بإجهاضها. ما يلفت انتباهي ويجذب اهتمامي إلى أقصى حد.. هي التفاصيل الصغيرة، تلك التي يجب علينا الاهتمام بها والانتباه لها، محاولة نادر البر بأبيه المريض، وصراعه بين رغبته في إنجاح علاقته الزوجية واستمراره مع زوجته وابنته، وبين أبيه الذي ليس له سواه، رغبة سيمين في عالم أفضل لابنتها، رغبة رضية في مساعدة زوجها وعدم الوقوع في ما يحرمه الدين. ظهرت الأزمة الحقيقية في كل العلاقات في أن كل طرف لا يرى سوى نفسه فقط، نادر لم يحاول أن يبين مرة لسيمين أن يقدر علاقتهما وحبهما وزواجهما، وهي لم تُقدر مرة معنى أن يترك أباه المريض الأشبه بطفل، ولم يرتضي كلاهما التنازل عن كبريائه وعناده، على الرغم من الحب الذي جمع بينهما لأكثر من خمسة عشر عاماً. نادر لم يقدر رضية ولم يحاول أن يستمع لها وهي تشرح له كيف حدث أن تركت والده، وهي لم تستطع أن تقف وتشرح لزوجها الأمر، أما جيل الأبناء الصغيرتان، ابنة الأسرة المتوسطة «تيرما» ذات الأربعة عشر عاماً التي لا تجف دموعها وتوسلاتها لأبويها بالعودة، وابنة الأسرة الفقيرة «كريمة» التي لا تتعدى الخامسة وهي تهرول زائغة النظرات مع أمها، فهما تمثلان الجرح الذي لن يندمل. كان المخرج قاسياً على المشاهدين في مشهد بكاء الأب أثناء رعاية الجد، وفي نهاية الفيلم الذي احتوى على مشهدين قاسيين، الأول.. مشهد المواجهة الأخلاقية بين الأسرتين واعتراف رضية بأن نادر لم يكن المتسبب في إجهاضها، والثاني.. مشهد مواجهة الابنة تيرما للقاضي وهي تضطر للاختيار بين أبويها في اختيار من بين خيارين أحلاهما مُر، فلا تجد سوى الدموع وسيلة للرد على أنانية أبويها. الفيلم جميل وصادق ومعبر وشديد العمق، ويحتاج لعين بصيرة ترى دواخله وتتعلم من مشكلاته، حيث أراده المخرج أن يكون صرخة ينبه فيها المجتمع الإيراني ومجتمعاتنا الشرقية للتقاليد والعادات والإرث الأخلاقي والمحبة الصادقة الآخذة في الانهيار والتهاوي، وللتمسك أحياناً ببعض تقاليد جوفاء بالية تطوقنا كأسوار من حديد.