Carol -Todd Haynes (13/13)
في عامٍ طغت فيه أفلام الخيال العلمي والأكشن في شباك التذاكر العالميّ، سواء كانت أفلام جيّدة مثل Avengers: Age of Ultron و Mad Max: Fury Road أو متوسطة الجودة مثل San Andreas، ظهر فيلم Carol ليذكرنا بالمعنى الحقيقي للأفلام ليذكرنا أن الأفكار والقضايا أهم من المؤثرات البصرية والتفجيرات والأبطال الخارقين، حيث عرض قضية جريئة لم تعرض بهذا الشكل الساحر منذ عرض رائعة آنج لي “بروكباك ماونتن”.
تدور أحداث فيلم Carol في خمسينيات القرن الماضي، حول قصة حب مثلية بين كارول (كيت بلانشيت) امرأة جميلة مطلقة تعاني من زوجها السابق الذي يحاول منعها من مقابلة ابنتهما والحاقد عليها بسبب اكتشافه أنها كانت على علاقة مع امرأة خلال زواجهما، وتيريز (روني مارا) فتاة شابة طموحة وساذجة بعض الشيء تسعى لتكون مصوّرة محترفة لكنها غير متأكدة من أي شيء في حياتها حتى من مشاعرها تجاه حبيبها الذي تعيش معه.
تلتقي الفتاتان في مشهد كلاسيكي رائع للحبّ من النظرة الأولى، ويتلو اللقاء لقاءات عدة وتغدو الفتاتان مقربتين من بعضهما، وبعد قرار المحكمة بحرمان كارول من لقاء ابنتها بسبب تقديم زوجها تقرير عن “سلوك” مسيء لكارول لا يخوّلها لتربية طفلة، تقرر كارول الذهاب في رحلة مع تيريز لتبدأ قصة الحب بين الفتاتين.
تود هاينز مخرج الفيلم الذي يعرفه البعض ربما من مسلسله القصير Mildred Pierce، قام هذا العام بعودة مميزة بإخراج أقل ما يمكن أن نوصفه بالمذهل، طريقة عرض الفيلم مميزة، الألوان جميلة، وجميع المشاهد من البداية حتى آخر مشهد غاية في الجمال وتُعبّر عما تشعر به الشخصيات وهو ما فشلت الكلمات في الفيلم أن تُعبّر عنه.
هاينز غالباً ما يخرج أفلام تتحدث عن فترات زمنية قديمة، الأمر الذي خدمه في فيلم Carol فالخبرة واضحة وتم التركيز على أدق التفاصيل من الأبنية إلى السيارات والملابس والفنادق والأغاني وحتى علبة السجائر، لكن أهم ما في الأمر أن هاينز قدّم فيلمأً رائعاً وبالتأكيد أن الزمن سيثبت أن هذا الفيلم هو تحفة تود هاينز الفنية.
التصوير جيد جداً وهو ما خدم هاينز كثيراً وكان من أبرز نقاط القوة في الفيلم، المصور (إدوارد لاشمان) استعمل طريقة تصوير “سوبر 16″، تصميم الملابس وتعديل الصوت والألوان وجميع التفاصيل التقنية كانت جيدة، والموسيقى كانت من أفضل ما سمعت هذا العام.
كان الحول من جهة أخرى الحوار الحلقة الأضعف في الفيلم وبرأيي هو ما سيعيقه في سباق الأوسكار، فعلى الرغم من أن الفيلم مميز من جميع النواحي، وعلى الرغم من أن المشاهد عبرت عمّا كانت ستقوله الكلمات، لكن حوار الفيلم كان صغيراً وضعيفاً ولا يمكن اقتباس أي جملة قوية عنه. الكلمة الرومانسية الوحيدة التي ذكرت على طول الفيلم هي “أحبك” فبدلاً من أن نسمع جملاً متنوعة تعصف بمشاعر المشاهد لم نر أي كلمات على الإطلاق.
بغض النظر عن مشكلة الحوار، السيناريو لم يكن بالجودة المطلوبة أيضاً، فالحبكة موجودة والقصة موجودة، لكن لا يوجد أحداث، حتى أن قصة الحب التي هي محور فيلم Carol لا تبدأ إلّا بعد مرور الساعة الأولى من الفيلم، وربما يعود ذلك لكونها التجربة السينمائية الأولى لكاتبة النص فيليس ناغي الذي اقتبسته عن رواية “The Price of Salt”.
قدمّت الممثلتان كيت بلانشيت وروني مارا أداءً أسطورياً، أفضل أداء لبلانشيت منذ فيلم Blue Jasmine وأفضل أداء لمارا منذ فيلم The Girl With the Dragon Tattoo، ببساطة كان ليكون خطأ فادحاً لو وقع الاختيار على ممثلتين مختلفتين، جيث برعت بلانشيت بتقديم شخصية المرأة الراشدة قوية الإرادة التي تستطيع التعامل مع جميع العراقيل التي تمرّ في طريقها وبالرغم من أننا لم نعرف تفاصيل عدة عن ماضيها إلّا أننا نعلم أنها اكتسبت خبرة من كل ما مرت به.
تحاول الاستعانة بهذه الخبرة حتى تساعد فيها “تيريز” شخصية مارا، الشخصية التي لم تقدم مارا شبيهاً لها من قبل، فدائماً ما نراها بدور الفتاة القوية لكن هنا ظهرت بريئة تجعلك تتعاطف معها بمجرد النظر إلى عيونها، وتحولها من فتاة محتارة إلى امرأة واثقة من قرارها، كايل تشاندلر الذي لعب دور “هارج” زوج كارول كان جيداً وربما كان دوره يستحق مساحة أكبر، كذلك سارة بولسون التي لعبت دور حبيبة كارول السابقة.
الطريق إلى الأوسكار..
“كارول” ظهر بشكل واضح جداً بالغولدن غلوب بخمسة ترشيحات، منها أفضل فيلم، أفضل إخراج وأفضل ممثلة بدور بطولة (كل من بلانشيت و مارا ترشحتا بدور بطولة و هو أمر لا يحصل دائماً) وأفضل موسيقى،ولم يترشح لجائزة أفضل نصّ سينمائي وهو ما يؤكد ما تم ذكره آنفاً حول هشاشة الحوار.
أظن أن الفيلم بالرغم من خسارته سباق الغولدن غلوب سيترشح لنفس الجوائز في الأوسكار، ما عدا روني مارا التي يمكن أن تترشح في فئة أفضل ممثلة في دور مساعد، وفي حال ترشحت في هذه الفئة ستكون الجائزة من نصيبها بالتأكيد، بالإضافة لأفضل تحرير وأفضل تصوير، لكن من المتوقع أن يقتصر الأمر على الترشيحات فمن الصعب الفوز بأي جائزة ذكرت سابقاً.