Under the Skin -Jonathan Glazer (12/13)
لا يمكن أن نختلف على أنّ فيلم Under the skin يعد عملًا مزعجًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث أنّه يدخلك في حالة حادة من عدم الارتياح التي تزداد قوةً مع تقدم أحداث الفيلم، هذه الأخيرة التي تمتاز بغرابة شديدة تجعلك تتساءل بحيرة بعد نهاية الفيلم: أهذا كل شيء؟ ما الذي حدث؟ ما هذا الذي شاهدته للتو؟! إلّا أنّك لن تفكر في إعادة مشاهدة العمل حتى تفهمه؛ وذلك لأنّه ينتمي لخانة تلك الأفلام الغير قابلة للإعادة بعد التجربة الغير ممتعة التي تقدمها لمشاهديها … أو هكذا نظن على الأقل قبل فهم الفيلم الذي يبقى على كل حال غير صالح لجميع الأذواق.
كما ذكرنا سابقًا، قررنا فن أن نقوم بمهمة شرح الأفلام الغريبة والصعبة لكم، وهذه المرة وقع اختيارنا على فيلم Under The Skin الذي سنغوص في عالمه الغريب لعلنا نمكنك من فهمه واستيعاب فكرته.
بطاقة تعريفية بـ فيلم Under The Skin
العنوان: Under The Skin
إخراج: جوناثان غلازر
بطولة: سكارليت جوهانسون
سنة الإنتاج: 2013
بلدان الإنتاج: أميركا، سويسرا، بريطانيا
مقتبس عن: رواية تحمل نفس الاسم لميشيل فابير
نبذة عن الفيلم: تدور أحداث الفيلم حول فضائية يتم إرسالها للأرض، وتحديدًا إلى اسكتلندا بغرض “اصطياد” الرجال.
شرح فيلم Under The Skin
يتمتع الفيلم بحبكة غير كلاسيكية وبوتيرة سير أحداث غير تقليدية، وبالتالي فإنّ العديد من المشاهد تبدو في البداية غير مفهومة وغير منطقية، إلّا أنّنا بعد أن نقترب من نهاية الفيلم – ومع الكثير من التركيز – نتمكن من محاولة فك ألغاز هذه المشاهد، ولذلك فإنّنا سنتتبع هذه المشاهد شيئًا فشيئًا حتى نتمكن في الأخير من تحليل الفيلم بأكمله (أو سنحاول ذلك على الأقل!)
يفتتح الفيلم بمشهد صناعة جسد سكارليت، وتحديدًا “صناعة” عينيها، هنا نرى أنّ “نافذة الروح” التي يتم صناعتها خالية تمامًا من أي روح، حيث أنّنا أمام مخلوق غير بشري يحمل جسدًا بشريًا ويتم برمجته على التحدث بلغة البشر، نشاهد بعد ذلك شخصًا يقود دراجة نارية سريعة ويقوم بانتشال جثة شابة نكتشف بعد قليل أنّها غير ميتة نظرًا لسقوط دمعات من عينها، إلّا أنّها غير قادرة على الحركة، تقوم سكارليت بأخذ ملابس الشابة ثم ارتداءها، ثم تنتقل بصحبة قائد الدراجة التي يبدو وكأنّه سيدها أو آمرها إلى شاحنة صغيرة تنطلق قائدةً إياها.
تتوجه سكارليت نحو سوق تجاري يضج بالناس في كل مكان، تبدأ بمراقبتهم ومراقبة سلوكهم، وسرعان ما تكتشف هوس البشر بالجمال الخارجي، فتلاحظ إقبال النساء الشديد على شراء ووضع الماكياج، فتقوم بفعل المثل، حيث نشاهد وضعها مساحيق التجميل على وجهها قبل انطلاقها لأداء المهمة التي جاءت للأرض من أجلها، وهي اصطياد الرجال كما قلنا سابقًا، وذلك عن طريق إيقاف مجموعة من الغرباء لسؤالهم عن مكان ما أو عن أي شيء يمكن السؤال عنه، ثم استدراجهم في الحديث إلى النقطة التي تقوم فيها بإغرائهم بمرافقتها إلى حيث تقطن، وبكل بساطة، يوافقون – بكل سعادة – على مرافقة سكارليت إلى محل سكنها، وما أن يبدأ بتتبع خطاها داخل المنزل في اتجاه ما يعتقد أنّها غرفتها، فإنّه يبدأ بالغرق داخل سائل أسود إلى أن يختفي تمامًا عن الأنظار.
هنا نلاحظ أنّ إعجاب الضحايا بجمال سكارليت الخارجي (استمر في مناداتها كذلك؛ لأنّ بطلة الفيلم لا تحمل أي اسم) ورغبتهم الشديدة في الوصول إلى ذلك الجسد جعلتهم لا ينتبهون أصلًا للخطر الذي يحيط بهم من كل جانب، بل وحتى أنّهم لا ينتبهون لكونهم يغرقون إلّا بعد فوات الأوان.
تستمر رحلتنا مع سكارليت التي لازالت تكتشف العالم البشري، إلّا أنّنا سرعان ما ندرك أنّه لا يزال أمامها الكثير لتفهمه، وأقصد هنا ذلك المشهد الذي يعد أبشع مقطع خلال الفيلم بأكمله، حين قامت بتهشيم رأس رجل غريق بعد انتشال جسده من الماء – باستخدام صخرة – بدل محاولة إنقاذه، ليس هذا فقط، بل قامت بمغادرة المكان تاركةً طفلًا رضيعًا لوحده في العراء بعد أن فارقت أمه الحياة غرقًا أيضًا، ومن هنا فإنّنا نفهم بوضوح أنّ هذه المخلوقة جاهلة تمامًا بأبجديات الحياة البشرية، وبفهمنا لهذه النقطة فإنّ فهم بقية أحداث الفيلم يصبح يسيرًا.
هنا ينتقل الفيلم إلى أهم نقطة به، وهي نقطة لقاء سكارليت برجل مشوه تمامًا، نلاحظ في هذا المشهد أنّ سكارليت قد تعاملت مع هذا الرجل تمامًا كما تعاملت مع بقية الرجال، لماذا؟ لأنّها غير آدمية وبالتالي فإنّها غير قادرة على التفريق بين البشر ومعاملتهم على أساس شكلهم الخارجي، بالنسبة لها فإنّها لا ترى أي شيء مختلف في هذا الرجل عن جميع الرجال الآخرين الذين التقتهم، وبالتالي فإنّها لن تشعر بالأحاسيس التي كانت ستشعر بها نساء البشر كالخوف أو النفور أو حتى الشفقة تجاهه، مما يعني هنا أنّه سيلاقي نفس مصير بقية الرجال.
وبالفعل، تقوم الفضائية باستدراج ضحيتها إلى نفس المكان المشؤوم الذي اكتشفنا أنّ بعد الغرق فيه يتآكل جسد الشخص الغارق ويتم إرسال جميع أجزاء الجسم الداخلية إلى قناة مجهولة، بينما لا يظل في السائل سوى “مجسم” جسم الأنسان المتكون من جلده وشكل وجهه ويديه إلخ … أي الأجزاء الوحيدة التي يهتم بها البشر عند النظر لبعضهم البعض، والأجزاء الوحيدة التي لا تهم هؤلاء الفضائيين ولا يعطونها أي أهمية تذكر.
تقوم سكارليت بإغراق ضحيتها المشوهة كغيرها من الضحايا، حيث يقوم بدوره بتتبع خطاها أملًا فيما سيحدث دون أن يشعر أنّه يغرق شيئًا فشيئًا حتى يختفي عن الأنظار، تغادر سكارليت كالعادة، إلّا أنّها تتوجه إلى مرآة وتستمر في التحديق في عينيها، وهو ما يعيدنا إلى مشهدين اثنين: المشهد الأول هو مشهد “العين الفارغة” الذي تحدثنا عنه في البداية والذي يظهر عين سكارليت خالية من أي روح وأي إنسانية تذكر، والمشهد الثاني هو مشهد تحديق سائق الدراجة في عيني سكارليت بشكل مريب، لا أنكر أنّني في ذلك الحين لم أفهم ما الذي يجري لكن مشهد المرآة وما تلاه من أحداث جعلني أفكر في فرضية تفسر سبب تحديق قائد الدراجة المطول في عينيها؛ وذلك للتأكد من أنّها لا زالت دون روح ودون أي مشاعر تذكر … أي أنّها لم تصبح غير صالحة كسابقتها (التي شاهدنا دموعها تتساقط في بداية الفيلم)، ولهذا السبب أيضًا تجد سكارليت تحدق في المرآة؛ وذلك لأنّها قد لاحظت شيئا قد تغير … فما الذي تغير؟ لقد أصبحت تشعر! ولذلك فقد ذهبت وأنقذت الرجل المشوه الذي بالمناسبة لم يقم بإبداء أي اهتمام ببطلة الفيلم لكونه يعلم مسبقًا أن ليس لديه أي فرصة مع النساء، إلّا أنّ سكارليت هي التي أقنعته ليقوم بتجربته الأولى حسب قولها، وبالتالي فإنّ وضعه كان مختلفًا بعض الشيء مقارنةً مع بقية الرجال.
على كل حال، بعد تمكين آخر ضحاياها من الهرب تصبح سكارليت في خطر بما أنّها قد خرجت عن إطار مهمتها وتصبح مبحوثًا عنها من طرف سائق الدراجة، وأثناء فرارها من قبضته نلاحظ أن بطلتنا قد بلغت مستوى آخر من الاكتشاف … فتحولت من اكتشاف العالم حولها وسلوك البشر إلى اكتشاف ذاتها وجسمها ومحاولة تجربة الحياة البشرية بشكل معمق، كيف لا وقد أصبحت الآن قادرة على الشعور، ليس بالشفقة فقط، بل بالخوف والحيرة أيضًا الظاهران على محياها لكونها لا تعرف ما الذي سيحدث لها من الآن وصاعدًا، فنجد أنّها تحاول أن تتذوق الطعام وتأكل كالبشر دون جدوى، كما نلاحظ تحديقها في جسمها العاري واكتشاف معالمه لأول مرة، وحتى محاولتها ممارسة علاقة حميمة مع أحد الغرباء الذي عاملها بلطف، إلّا أنّها اكتشفت تحت وقع -شعور جديد- الصدمة أنّها لا بشرية تمامًا ولا غير بشرية تمامًا.
تهرب سكارليت منهارةً إلى إحدى الغابات القريبة أملًا في الاختفاء هناك والاختباء من كل شيء وعلى رأس ذلك سائق الدراجة، إلّا أنّ أحد الحطابين يحذرها من البقاء لوحدها في مكان كهذا، وما هي إلّا ساعات حتى نتفاجَأ أنّ نفس الشخص الذي حذرها هو الذي توجه نحو بطلتنا مقررًا الاعتداء عليها واغتصابها، وهنا تجد سكارليت نفسها أمام نوع مختلف تمامًا من الأحاسيس … الألم، الذعر، المعاناة، التقزز، كلها مشاعر اجتمعت في وقت واحد داخل هذه المخلوقة المسكينة التي تجري بكل ما أوتيت من سرعة أملًا في الفرار من هذا الشخص الذي قرر إيذاءها فقط لأنّها جميلة خارجيًا، كيف عرفنا ذلك؟ لأنّه قرر حرقها وقتلها بمجرد أن اكتشف أنّ “تحت جلدها” مخلوقة فضائية بشعة لا تتطابق بأي شكل مع معايير الجمال البشرية، وهكذا انتهت رحلة سكارليت مع البشر الذين قرروا قابليتها للحياة من عدمها بناءً على شكلها، والذين حاولت تقليدهم فدمرت نفسها، تمامًا كالفضائية التي شاهدنا في بداية الفيلم، مما يجعلنا نستنتج أنّ جميع هؤلاء المخلوقات تمر بنفس التجربة .
كثيرون يقولون أنّ هذا الفيلم ليس إلّا تصويرًا لهوس الرجال بالجنس وبأجساد النساء من خلال تصوير طريقة تعاملهم مع سكارليت ككتلة لحم متحركة، وظهور تلهفهم الأعمى الشديد بمجرد محاولتها استدراجهم، وهذا غير خاطىء تمامًا، فبالفعل قد خصص الفيلم العديد من المقاطع لهذه الجزئية، إلّا أنّ ما يحاول فيلم Under The Skin إظهاره أعمق بكثير من هذه الفكرة، فهو إن صح القول امتدادًا لأدوار أخرى متشابهة جسدتها سكارليت جوهانسون في العديد من الأفلام التي نذكر منها Her و The Island، حيث نجد أنّنا مرة أخرى أمام نوع من الذكاء الصناعي المتطور الذي يجد نفسه مختنقًا أمام هويته التي تمزج بين البشري وبين اللابشري، في محاولة لسبر أغوار النفس البشرية ومختلف التجارب النفسية التي تمر بها من خلال منظور مخلوق غير بشري اكتشف بعد فوات الأوان أنّ الأحاسيس البشرية المعقدة من الممكن أن تكون مدمرةً جدًا، وأنّ التنبؤ بأفعال وخفايا نفوس البشر أمر أقرب للمستحيل.
هل شاهدتم فيلم ف؟ هل تتفقون مع هذا الشرح وتجدون أنّه منطقي؟ وهل مكنكم من مشاهدة الفيلم من منظور آخر؟ شاركونا في التعليقات.